أصبح واضحاً أن التقدم العلمي الذي يشهده العالم في عصرنا الحالي ليس له حد و لا يمكن التنبؤ بمداه و أفاقه التي يمكن أن يبلغها أو المستويات التي يستطيع الوصول إليها ، فقد شهد العالم خلال الأربعين عاما الماضية تحولاً جذريا وتبدلا شاملا في ملامحه وأدواته التقنية حيث ظهرت عدة ثورات في المعلومات، و الاتصال، وثورة الحاسبات الالكترونية مما فرض واقعا جديداً بكل المقاييس واستفيد من هذا الواقع في كل المجالات الاقتصادية و العلمية والإعلامية وغير ذلك من المجالات ، وبما إنني بصدد الحديث عن الإعلام الرقمي فسوف أحاول من خلال هذا المقال التطرق إلى الاكتساح الكبير و السيادة المطلقة التي فرضها الأعلام الرقمي من حيث الانتشار ، واختراق كافة الحواجز سواءً كانت حواجز مكانية أو زمانيه إضافة إلى التنوع اللامتناهي في رسائله ومحتواه نظراً لما يملكه من قدرات و مقومات تمكنه من الوصول للجميع ، وسوف ابدأ بتعريف بسيط لمفهوم الإعلام من وجهة نظري فالإعلام بمعناه البسيط هو : نقل المعارف والمعلومات والثقافات الفكرية والسلوكية، بطريقة محدده، من خلال أدوات ووسائل الإعلام والنشر، بقصد التأثير والتوجيه في سلوكيات و أفكار المتلقيين سواءً بالإيجاب أو السلب ، ومن هنا يبرز السؤال الأهم في هذا الصدد ما هو الفرق بين الإعلام التقليدي و الرقمي هل هما متضادان؟؟... متكاملان ؟؟ أم أن لكل منها مجاله وأهدافه و طرقه ؟؟ ، يمكننا القول أن الإعلام الالكتروني أو الرقمي هو نوع جديد من الإعلام يشترك مع الإعلام التقليدي في المفهوم, والمبادئ العامة والأهداف, ويتميز عنه بأنه يعتمد على وسيلة جديدة من وسائل الإعلام الحديثة تتمثل في الدمج بين وسائل الاتصال التقليدي المختلفة وجعلها في وسيلة واحدة, من أجل إيصال المضامين المطلوبة بأشكال متمايزة, ومؤثرة ، ويرتبط مفهوم الإعلام الرقمي بذلك الإعلام الذي يستخدم الانترنت على سبيل التحديد من أجل إيصال المعلومة.ومن هنا دعوني افرق بين النوعين – الرقمي و التقليدي- بهذه الطريقة البسيطة فالإعلام الرقمي أو الالكتروني هو ذلك الإعلام الذي يعتمد على تقنية الانترنت لإيصال المعلومة أما الإعلام التقليدي فهو الإعلام الذي كان سائدا قبل ظهور الإعلام الالكتروني أو الرقمي ، فهل نستنتج من ذلك أن الإعلام الرقمي هو إعلام بديل كونه يقدم إعلاما مغايرا عن الإعلام التقليدي ؟ البعض يسمي هذا النوع من الإعلام بالإعلام الجديد لسهولة الوصول إلى المعلومة متى ما شاء المتلقي الحصول عليها، والبعض الأخر يسميه بالإعلام البديل كونه على وجه العموم يعرض إعلاما بديلا أو مغايرا للإعلام العام وبالتالي نستطيع القول أنه إعلام جديد و بديل عن الإعلام التقليدي القديم . و للإعلام الإلكتروني و سائل وأشكال متعددة نعرض منها ما يلي : 1. المواقع الإعلامية على شبكة الانترنت. 2. الصحافة الالكترونية و حزم النشر.
3. الإذاعة و التلفزيون الالكتروني، ويشمل خدمات البث الحي للقنوات التلفزيونية، والإذاعية على مواقع الانترنت من خلال حزم البث الإذاعي. 4. الإعلانات التجارية عبر مواقع الانترنت. 5. المدونات (Blogs). 6. الخدمات الترفيهية و المعرفية و مواقع التواصل الاجتماعي. 7. استخدام الهواتف الذكية في البث التلفزيوني ، و غير ذلك الكثير من المجالات المختلفة و المتنوعة التي تزخر بها مواقع الانترنت. ومن الخصائص التي يتميز بها الإعلام الرقمي سواءً كانت تلك الخصائص إيجابية أم سلبية – هناك كثير من الآراء المتناقضة في هذا الخصوص- سوف أذكر بعض منها كالتالي: 1. تنوع و تعدد المحتوى وسهولة الوصول إليه. 2. إعلام مفتوح يقلص من السيطرة الرسمية على الإعلام و يتخطى الحدود الجغرافية بين الدول ويفعل من دور القطاع الخاص 3. تكاليفه غير مرتفعة بسبب اعتماده على التقنية الحديثة. 4. تنوع الثقافات واختلاف التوجهات بين طرفي العملية الإعلامية. 5. عدم وجود احتكار مما يوسع دائرة التنافس الإعلامي. 6. أكثر الخدمات الإعلامية الالكترونية خدمات تفاعليه مما يحول الجمهور من متلقي إلى شريك أساسي في صنع و صياغة المحتوى. 7. ظهور نوع جديد من الإعلام يسمى بإعلام الفرد ويقوم على شخص واحد. وبالرغم من كل هذه الميزات التي يمتاز بها الإعلام الإلكتروني على سابقه إلا إن الإعلام الرقمي أو الالكتروني يواجه بعض الصعوبات التي تشكل عائقا وتحد من انتشاره وتوسعه سوف أوجزوها في النقاط التالية: 1. صعوبة الوصول و التأكد من صحة البيانات المتدفقة عبر الإعلام الإلكتروني. 2. عدم وجود ضوابط رقابية لضمان عدم المساس بالقيم و التقاليد الخاصة بالمتلقي. 3. الانتشار الواسع للعنف و التطرف عبر الإعلام الالكتروني وعدم وجود ضوابط لذلك. 4. انتهاك حقوق النشر و الملكية الفكرية. 5. الجرائم الإلكترونية و كثرة انتشارها عبر التقنيات الحديثة مما يجعل التعامل مع هذه الوسيلة فيه نوع من التوجس و التخوف. 6. وجود صعوبة في الحصول على الانترنت في بعض أجزاء العالم مما يحرم شريحة كبيرة من الناس من متابعة الإعلام الرقمي. 7. وجود شريحة لأبأس بها تجهل التعامل مع هذا العالم الرقمي مما يعتبر عائقا أخر أمام انتشار هذه الوسيلة الجديدة. وبناء على ما سبق ذكره و حيث أن الإعلام يعتبر هو السلطة الرابعة بل استطيع القول أنه من أهم السلطات على الإطلاق ، فالساحة سوف تكون مفتوحة لمن يهتم بهذا المضمون وسوف يستطيع من خلاله توجيه الرأي العام و نشر أفكاره و توجهاته من خلاله
( باحث فى العلوم السياسية والاستراتجية ) مستشار سياسى للمجلس العربى الافريقى