يصر الإعلام المصري علي أن يقدم ، في هذه المرحلة المأزومة المغبشة ، التي تعيشها البلاد مزيداً من الأدلة المتجددة علي الخلط والإرباك وتصدير نماذج الفوضي الأدائية ، بقصد وبدون قصد ، وإذا كان هذا الأداء المقيت الذي شحن المصريين بجرعات تحريضية تطرق لها مجامع الأبالسة خجلا ، ينطبق علي كل مناحي الحياة المصرية ، فإن هذا الأداء ينطبق ، بدرجة أقوي تأكيداً علي الحياة الحزبية ، التي شهدت ، بعد بيان الثالث من يوليو الشهير ، أنواء عاصفة تقاذفت سفينتها المهيضة ، بل سفينة الوطن إجمالا ، وطوحت بها في مساحات التيه . وأحسب أن هذه المقدمة ضرورية لفهم ما جري في موضوع ( جمع التوكيلات ) الذي طرحه البعض لتقديم بلاغات للنائب العام ضد المشير ( عبد الفتاح السيسي ) علي خلفية الدماء التي أريقت في رابعة والنهضة والحرس الجمهوري وغيرها من المحطات الدامية ، التي صدرت للضمائر الوطنية اليقظة أسوأ أزمات الحريات المدنية في مصر علي الإطلاق ، وشقت في الوطن الجريح ، رقعة مرعبة للثأر والمرارات ! والقصة بدأت حين تقدم المدون ( كريم الشاعر ) ببلاغ للنائب العام ضد ( السيسي ) حيث رفض النائب العام قبول البلاغ - بحسب رواية المدون ( كريم الشاعر ) - وقد تعاطف زميلنا في حزب البديل الحضاري الصديق الأستاذ ( أحمد عبد الجواد ) تعاطفاً شخصياً فياضاً مع قضية ( كريم ) منذ بدايتها ، ودفعه هذا التعاطف الذي لا يمكن لمخلوق أن ينكره عليه أو ينحي بأية لأئمة ، أن يأخذ زمام المبادأة ، وبصورة شخصية صرفة ، ليعلن عبر صفحته الشخصية علي ( الفيس بوك ) ، ومن خلال بعض المنابر الإعلامية ، عن اعتزامه الشروع في جمع توكيلات لعدد من المحامين والمراكز الحقوقية لتقديم بلاغات وإقامة الدعاوي القضائية ، مجدداً، أمام النائب العام بعد خلق ( ظهير شعبي ) تمثله هذه التوكيلات ، مستهدفاً ، بحسب تصريحاته ، ( جمع نصف مليون توكيل ) لبعض المراكز الحقوقية التي سماها ، ومن بينها مركز ( ضحايا ) ومركز ( هشام مبارك ) ، سعياً لما أسماه ( تسهيل عمل المحامين والمراكز الحقوقية ) لمخاطبة محكمة العدل الدولية . ومن تواتر الوقائع والأحداث علي النحو الذي أسلفته ، يتضح ، بصفاء لا يشوبه كدر ، أن السياق برمته كان منذ البداية شخصياً تماماً و( فردياً ) خالصاً يخص الأستاذ كريم المدون والصديق الأستاذ ( أحمد عبد الجواد ) ولا علاقة له بأي سياق (حزبي ) يخص حزباً من الأحزاب ، بما في ذلك حزب البديل الحضاري المصري ذاته ، ومن ثم فإن التخريج السياسي الصحيح لما حدث ، بعيداً عن خلط الإعلام ، أننا بإزاء ( مبادرتين شخصيتين ) لجمع التوكيلات ، إحداهما من الأستاذ ( كريم الشاعر ) والأخري من الصديق الأستاذ ( أحمد عبد الجواد ) . وأن الرجلين كليهما لم يصبغا الأمر بأي صبغة حزبية تخص حزباً بعينه بما في ذلك حزب البديل الحضاري ذاته مجدداً . وأنوه هنا بأن الصديق أحمد عبد الجواد لم يعرض هذا الأمر مطلقاً ( مجرد عرض ) علي المكتب السياسي لحزب البديل الحضاري ولا علي أي من زملائنا في الحزب . وقد عرفت بالخبر ، شأني شأن أي متابع ، عن طريق الفضائيات والصحافة ، وهو ما ينطبق علي الصديق ( بكري سلطان ) رئيس اللجنة الثقافية بالحزب ، والصديق د سمير عبد الحميد رضوان رئيس اللجنة الاقتصادية بالحزب ، والأستاذ ( زكريا صبح ) عضو المكتب السياسي والأستاذ محمود عبد العال عضو اللجنة الاقتصادية حيث فوجئ الجميع بموضوع جمع التوكيلات من خلال متابعة الإعلام . بل إن صفحة البديل الحضاري علي الفيس بوك خلت من أية بيانات سياسية أو قانونية تخص موضوع التوكيلات من قريب أو بعيد ! ولما كانت خطوات الحزب وبياناته منذ ميلاده في المشهد السياسي ( عملاً جماعياً ) لا يتقررإلا بعد انتظام الشمل وتداول الأمر المعروض بآليات ديمقراطية بين الجميع دون استثناء ، فإنني أقرر هنا بوضوح أن مبادرة التوكيلات كانت منذ البداية اجتهادا فردياً وشخصياً للصديق أحمد عبد الجواد ، لم تمر مطلقاً بقنوات حزب البديل الحضاري ولا بلجانه وكان يتعين علي الإعلام المصري أن يوضح ذلك للرأي العام دون لبس ! وقد اجتمعنا في البديل الحضاري في أعقاب إثارة موضوع التوكيلات وأصدرنا البيان التالي. : ( إن كل ما صدر متعلقاً بجمع التوكيلات في موضوع بلاغات النائب العام بخصوص جرائم الفض ، هو اجتهاد فردي وشخصي للأستاذ أحمد عبد الجواد الذي لم يعرض هذا الأمر ( ولو حتي كمقترح ) علي المكتب السياسي للحزب ولم يفاتح أحداً من زملائه في الحزب بمضمون البيانات أو الإجراءات التي تتصل بعملية جمع التوكيلات إجمالاً ، بل أصدر البيانات من خلال صفحته الشخصية علي الفيس بوك ، وهو حق مطلق له ، وليس من خلال الصفحة الرسمية للحزب ، وكان يتعين علي الإعلام تحري الدقة في سرد الوقائع ، ويري المجتمعون أن مخاطبة النائب العام أو مؤسسات العدالة المصرية الآن في موضوع بهذا الحجم السياسي والحقوقي ، وفي ظل ما تتعرض له مؤسسات العدالة المصرية في الوقت الحاضر من ضغوط سياسية شديدة عمل غير مجد بالنظر إلي قتامة الظرف السياسي وتكرس حالة الاستقطاب الداخلي وتراجع منحني الحريات ) . الموقعون : بكري سلطان - زكريا صبح - د سمير عبد الحميد رضوان ( أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر ) - محمود عبد العال - د حسام عقل .