رغم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة, إلا أن الإنجازات الكبيرة, التي حققتها المقاومة الفلسطينية, مازالت تتصدر اهتمامات الصحف الإسرائيلية والغربية على حد سواء. ونشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية مقالا للكاتب آري شبيط في 29 أغسطس حذر فيه من أنه إذا لم يوجد أمل لسكان غزة, فسيبقى ماضيهم وحاضرهم, أيضا يطاردان مستقبل إسرائيل. واعتبر الكاتب قطاع غزة فشلا للحركة القومية اليهودية, التي هجَّرتهم عام 1948، وأشار إلى أن غزة قد تُردع "يوماً ما"، وقد تهدأ "بقدر ما", لكنها لن تختفي, وتابع " الحرب الأخيرة على غزة أظهرت فشلا خطيرا متعدد المستويات لإسرائيل". وبدوره, قال الكاتب الإسرائيلي أمير أورن في "هآرتس" أيضا في 29 أغسطس إنه يجب على القيادة السياسية الإسرائيلية في أعلى المستويات أن تبدأ بالاستعداد للجولة العسكرية التالية, التي توقع أنه لن يتأخر مجيئها. وأضاف أورن أنه في حرب الخمسين يوما على غزة, "ابتلع الطرفان ضفادع، لكن الضفدع الإسرائيلي أكبر وأكثر تهييجا للبطن"، موضحا أن نتنياهو سيبذل جهدا كبيرا ليعرض نتيجة الحرب على أنها نصر، فإذا صدّق نفسه, فسيكون بذلك الوحيد في جيله تقريبا. وفي تقرير منفصل آخر بالصحيفة ذاتها, قالت "هآرتس" إن وقف إطلاق النار في غزة مجرد بداية لعملية مفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين. وتابعت الصحيفة " تبين لإسرائيل للمرة الثالثة في العقد الأخير أنه لا تكفي قوتها العسكرية, كي تردع منظمات أضعف منها، وأن الإغلاق الوحشي لقطاع غزة, لا يثير العصيان المدني ضد حماس". ومن جانبها, نقلت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية عن سكان المستوطنات المحاذية لغزة غضبهم من اتفاق وقف إطلاق النار, وتشكيكهم في صموده, وتحقيق الهدوء. ونسبت الصحيفة لرئيس بلدية أشكول الإسرائيلية إيتمار شمعوني قوله :"إن كل تنازل لحماس هو خضوع للإرهاب"، مضيفا "سكان إسرائيل أرادوا أن يروا حسما في هذه المعركة، لكن هذا لن يحصل، وأرادوا حماس مهزومة, وتستجدي التهدئة، لكن فعليا إسرائيل هي من ركضت إلى المفاوضات". وفي السياق ذاته, اعتبر الكاتب الإسرائيلي سيفر بلوتسكر في صحيفة "يديعوت أحرنوت" في 28 أغسطس أن عملية "الجرف الصامد", التي شنتها إسرائيل ضد قطاع غزة والتي استمرت من 7 يوليو إلى 26 أغسطس , ساعدت فقط على تقوية سلطة حماس في غزة، معتبرا أنه سيكون لها أثر سيئ في مكانة السلطة الفلسطينية, حتى في الضفة الغربية. وأضاف الكاتب أن التفسير الإسرائيلي الرائج لاتفاق وقف إطلاق النار, هو أن حماس منيت بضربة فظيعة, ولم تحصل على شيء، وهي ضعيفة كما لم تكن قط، وستضطر إلى التخلي عن حكمها لغزة، وأن الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحكومته خرجا من القتال منتصرين، لكن على العكس يرى الكاتب أن العملية هي بداية لنهاية فتح, إن لم تكن نهاية نهايتها. وبدوره, قال الكاتب الإسرائيلي ناحوم برنياع في صحيفة "يديعوت" في 28 أغسطس :"إن حماس نالت المجد في الشارع الفلسطيني، وتبين للإسرائيليين, عدم القدرة على هزيمة منظمة صغيرة، وأن الحروب تتطلب أثمانا، والأهم أنه, ليس لهم حكومة". ووصف برنياع "إنجاز" القيادة السياسية الإسرائيلية في المواجهة العسكرية الأخيرة, بأنه "كان هزيلا جدا"، معبرا عن خشيته من التمهيد لجولة ثانية في لبنان, بدل تمهيد الطريق لإزالة التهديد من غزة. وفيما يتعلق بالصحف الغربية, ذكرت صحيفة "الديلي تليجراف" البريطانية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يواجه انتقادا عنيفا من اليمين الإسرائيلي لقراره وقف إطلاق النار مع حماس, دون الرجوع لوزراء حكومته، وحتى الاقتراب من دحر حماس عسكريا. وأضافت الصحيفة في تقرير لها في 28 أغسطس أن غضب منافسي نتنياهو اليمينيين، مثل وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان, ووزير الاقتصاد نافتالي بينيت, ضاعفه الانتصار, الذي حققته حماس على "عدو", يعد الأفضل تسليحا في منطقة الشرق الأوسط، بل وصمدت طوال سبعة أسابيع، وهو ما يمثل انتصارا معنويا كبيرا لها. وأضافت الصحيفة أن انتقاد نتنياهو بلغ أوجه عندما وجه حزب الوسط -أكبر شريك في الائتلاف الحاكم- انتقادات مبطنة بشأن احتمالات انهيار الحكومة, إن قدم نتنياهو تنازلات لحماس في الجولة الثانية للمفاوضات المقررة, بعد نحو شهر لمناقشة القضايا العالقة, وفق اتفاق وقف إطلاق النار. ومن جانبها، أشارت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الأمريكية في تقرير لها في 29 أغسطس إلى أن اتهامات سياسية غاضبة تدور رحاها في الأوساط الإسرائيلية، وأن جدلا يثور بشأن من هو المنتصر الحقيقي في الحرب على غزة, التي استمرت 50 يوما بلياليها. وأضافت الصحيفة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي أطل من شاشة محطة إسرائيلية محلية، وأنه ظهر بموقف المدافع، وقال إن إسرائيل حققت إنجازات عسكرية ودبلوماسية، وأنها تمكنت من توجيه ضربة قاسية لحماس. وتابعت أن تصريحات نتنياهو تأتي وسط اتهامات ضده بأن الحرب جعلت الإسرائيليين يتمنون بأن يتكرم عليهم رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل بالموافقة على وقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل. كما نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية مقالا للكاتبة جين بيير فيلو في 29 أغسطس وصفت فيه غزة بضحية التاريخ، وأشارت إلى أنه إذا لم يقم المجتمع الدولي بفعل شيء لمعالجة الأسباب الجذرية الكامنة وراء الصراع المستحكم بين إسرائيل والفلسطينيين، فإن أي اتفاق لوقف إطلاق النار سرعان ما ينهار. كما أشارت الكاتبة إلى ما وصفته بعجز العالم عن إيجاد حل يخلص أهالي غزة من الحصار المستحكم منذ سنوات، والذي يتسبب لهم بالمعاناة المستمرة، في ظل النقص الحاد في الغذاء والدواء, وسبل العيش الضرورية الأخرى. يُشار إلى أن الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية والشتات احتفلوا بالنصر, الذي حققته المقاومة بعد سريان هدنة مفتوحة تنهي مبدئيا عدوانا إسرائيليا شرسا استمر قرابة الشهرين, وتمهد لرفع كامل للحصار عن قطاع غزة, في حين بدت إسرائيل في حالة إحباط, بعد فشلها في تركيع المقاومة. ومباشرة قبيل سريان الهدنة المفتوحة في السابعة من مساء الثلاثاء الموافق 26 أغسطس, أعلن المتحدث باسم حماس سامي أبو زهري أن المقاومة انتصرت في الحرب التي استمرت خمسين يوما, وأنها تسمح بعودة الإسرائيليين الذين نزحوا من البلدات المتاخمة للقطاع. وفي المقابل, اتهم وزراء ونواب إسرائيليون حاليون وسابقون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالإخفاق في إدارة الحرب على غزة, وأثار بعضهم احتمال انهيار الائتلاف الحكومي، وسط تساؤلات عما أنجزته إسرائيل من الحرب التي قتل فيها سبعون إسرائيليا، أغلبيتهم الساحقة جنود وضباط, إضافة إلى كون الحرب شلت الاقتصاد الإسرائيلي, وجعلت الإسرائيليين يقضون أوقاتهم في الملاجئ