أن تبدأ سؤالك للنازحين من حي الشجاعية شرق مدينة غزة، والهاربين من قذائف الموت ب"كيف حالك؟" فذلك يعني أنّ ترش "الملح" على "الجرح الغائر" وتنكأ بيدك الوجع، لما أصاب كثيرين من أهل القطاع جراء الهجوم الإسرائيلي منذ ال7 من الشهر الجاري. تقول رباب البسوس، 24 عاما، إحدّى الناجيات من قصف إسرائيلي بالقطاع: "نحن هنا لسنا بخير"، تُواصل حديثها وهي تبكي بحرقةٍ أدمعت من حولها، فهي بلا "مأوى" والأكثر بؤسا وحزنا كما تضيف: "لا أعرف أين أبي، لقد خرجنا كالمجانين، نهرول في الشوارع، كل ما كنا نريده هو الهرب من الموت، وجدنا أنفسنا في هذه المدرسة، ولا ندري حتى اللحظة أين أبي، هناك من يخبرنا أنه جريح في المستشفى، وهناك من (..)".
ولا تكمل الشابة الكلام، إذ تترك الأحاديث لدموعها، التي شاركها فيها نسوة تحلّقن بجوارها في مدرسة "غزة" إحدى مدارس الإيواء التي خصصتها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لاستقبال الفارين والنازحين.
وفي داخل مدارس الإيواء تتجسد معاناة النازحين، وتتكشف معاناتهم الحقيقية، وهم يبحثون عن ذويهم، بعد أن تركوا خلفهم كل شيء.
ويصعب على الجميع أن يلتقي كما تقول مريم البسوس، 35 عاما، فجميع سكان حي الشجاعية تفرقوا في وسط المدينة، ومنهم من ظل حبيس الحي حتى اللحظة في مرمى النيران الإسرائيلية.
وتتابع في حديث لوكالة الأناضول وهي تبكي: "أخي حتى اللحظة مفقود، ولا أحد من أقاربنا هنا، لقد خرجنا "بلا شيء"، كان همنا أن ننجو، وها نحن هنا نبكي المفقودين".
وتحولت مدارس "أونروا" في قطاع غزة إلى أماكن لإيواء النازحين والناجين من القصف الإسرائيلي العشوائي لحي الشجاعية، والذي خلف يوم الاثنين 80 قتيلا ونحو 200 مصاب.
ونزح يوم الاثنين، وفق تقديرات وزارة الداخلية في قطاع غزة 80 ألفا من سكان حي الشجاعية (يسكنه نحو 100 ألف نسمة) إلى مدارس الإيواء التي خصصتها (أونروا)، والعشرات هرب إلى مركز المدينة عند أقاربهم وأصدقائهم.
فيما تحول مستشفى الشفاء بغزة لمركز لمئات النازحين، وهو ما جعل البحث عن المفقودين، ومعرفة أماكنهم يشبه "المهمة المستحيلة" كما يقول "رأفت المناصرة"، 37 عاما.
ويضيف المناصرة لوكالة الأناضول: "خرجنا تاركين بيوتنا وهي مفتوحة، لم نأخذ معنا شيئا، حتى الأوراق المهمة، الموت كان أسبق من الجميع، أنا ذهبت لبيت صديق لي وسط قطاع غزة، ولا زلت عاجزا عن التواصل مع أشقائي، ومعرفة مصيرهم".
وفي ساحة المدرسة تجلس نور الملاحي، 43 عاما، وفي حضنها طفل لم يتجاوز العام، بيده كسرة خبز وعلى جبينه شاش يكاد يسقط عن رأسه الهزيل.
تعدّل الأم لطفلها الشاش، وتقول بصوت مخنوق: "لقد مات شقيقي، وأصيب زوجي وابني، لا أحد يعرف أين ذهب البقية، المدارس في الليل تبدو موحشة وباردة".
وتحلم ربا عياد ابنة التسعة أعوام بأن تنتهي هذه الحرب، وتقول لوكالة الأناضول بصوتٍ يملؤه الحزن: "لا أدري ما شكل بيتنا الآن.. وكيف صار الحي، يقولون إنّه بات موطنا للأشباح".
وفي داخل المدرسة لا أحد ينام؛ حيث أشار كثير من اللاجئين إلى الرعب الذي يصاحب ساعاتهم في المساء عندما يتذكرون صوت قذائف الموت وهي تحيل أجساد أقاربهم وذويهم إلى أشلاء.
وتوغلت عشرات الآليات والدبابات العسكرية الإسرائيلية شرقي مدينة غزة، منذ مساء الأحد، وسط قصف عنيف ومكثف من المدفعية الإسرائيلية، ما أدى إلى مقتل وجرح عشرات الفلسطينيين، ونزوح الآلاف من منازلهم متوجهين صوب مركز المدينة.
وبدعوى العمل على وقف إطلاق الصواريخ من غزة على مدن وبلدات إسرائيلية، يشن الجيش الإسرائيلي، منذ السابع من الشهر الجاري، عملية عسكرية، أسقطت يوم الاثنين 80 قتيلا، ومنذ بدء الهجوم وحتى الساعة 22.20 ت.غ من مساء الاثنين 565 قتيلا فلسطينيا، و3350 جريحا، معظمهم من النساء والأطفال والمسنين، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.
في المقابل، أسفرت العملية، وفق الرواية الإسرائيلية، عن مقتل 25 جندياً إسرائيلياً ومدنيين، وإصابة نحو 485 معظمهم ب"الهلع"، فضلا عن إصابة 90 جندياً، فيما تقول كتائب القسام الجناح العسكرية لحركة حماس إنها قتلت 45 جنديا من الجيش الإسرائيلي.