لم تكن المناظرة التي دارت على شاشة قناة "دريم" قبل عدة أيام بين العلمانيين والإسلاميين مناظرة عادية حول مفاهيم وآراء بقدر ما كانت إشارة تحذير إلى أن الخطر الأكبر الذي ستواجهه البلاد في مرحلة ما بعد الثورة قد يتمثل في مخاوف صدام متوقع بين الإسلاميين والعلمانيين. فالمقتطفات التي تم التركيز عليها في المناظرة بين القطب الإخواني المحامي صبحي صالح والطبيب العلماني خالد منتصر كانت مختارة بعناية لكي تمثل نقاطًا للضعف في حجة ومنطق المحامي الإخواني الذي بدا عاجزًا في بعض الأوقات في منطق الرد وكان في موقع الدفاع بدلا من أنه يتخذ موقف الهجوم في قضية عادلة لا تحتاج إلي كثير من التبرير والتوضيح. فقد استطاع الدكتور خالد منتصر أن يجر المحامي صبحي صالح إلي بعض ما قاله عن الزواج وتفضيل " الأخوات " عن غيرهم من المسلمات وهو ما يعني تحريضًا واستعداء ضد صبحي صالح منذ بداية الحلقة التلفزيونية بشكل أفقده التعاطف وأضاع المفاهيم والمعاني التي كان يقصدها. ولابد من الاعتراف بأن المحامي صبحي صالح رغم تمكنه ورغم أنه متحدث بارع إلا أن التوفيق خانه في هذا الحوار الذي علي ما يبدو لم يكن مستعدًا له بشكل جيد حيث أدخلنا في الكثير من التفاصيل والسرد، وحول القضية إلي نوع من "الشخصنة" متوهمًا أنه المقصود بالهجوم في الآونة الأخيرة دون أن يفطن إلي حقيقة أن ما يحدث ضده أو ضد غيره إنما هو في إطار التخويف من انتشار المد السفلي والتيار الإسلامي، واستنهاض للقوى العلمانية لكي تستجمع قواها لتحفيز المجتمع ضد رفض هذا التيار والتحذير من قيام دولة دينية في مصر. ويقينًا فإن أخطر تحديات الثورة المصرية لا تتمثل في خطر الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين كما يعتقد البعض، وإنما تتمثل في خطر إحداث فتنة بين العلمانيين والإسلاميين، وقد بدأت تتضح معالمها في الكثير من الدعوات التي تنطلق حاليا والتي تطالب بتأجيل الانتخابات البرلمانية خوفا من سيطرة الإخوان المسلمين والسلفيين على أغلب مقاعد البرلمان. وهو أمر يدعو إلى الفطنة والحكمة حتى لا ننقاد إلي هذا المنعطف الخطير الذي لا يخدم إلا حزب أعداء الثورة، فهو المنعطف الذي سيشمل هدمًا وتدميرًا لكل ما حققته الثورة من إنجازات هائلة في فترة زمنية قصيرة ويدخلنا متاهة من الفوضى والاتهامات المتبادلة في حوارات عقيمة تهدم ولا تبني، تفرق ولا تجمع. ولهذا ندعو إلي التريث في الإدلاء بأي تصريحات أو اجتهادات يمكن أن تستغل في حملة تشوية أو تخويف، وأن يكون هناك تريث ودراسة قبل الظهور والحديث في البرامج واللقاءات الصحفية والتلفزيونية، وألا يكون هناك استعراضا للقوة علي حساب الحكمة والعقل. إن الأشهر القليلة القادمة هي التي ستصنع وتحدد مستقبل مصر، والرأي العام لم يحسم خياراته وموقفة بعد في الكثير من القضايا والمسارات..، وليس أفضل من الهدوء والحكمة سبيلا لدرأ الفتنة وحماية الثورة التي تخدم مصالح كل القيادات والاتجاهات لأنها تدعو وتؤكد علي حق الجميع في صياغة مستقبل هذا الوطن. [email protected]