غمرني احساس بالفزع عندما قال اللواء منصور العيسوي في حديثه التلفزيوني أول أمس إنه تلقى معلومات عن احتمال اقتحام معسكرات الأمن المركزي بحجة وجود معتقلين داخلها. أخبره قائد الأمن المركزي بامكانية الدفاع عن تلك المعسكرات لو أُعطي لجنودها الحق في ذلك، أو أن يكتفوا بالبقاء داخل المعسكرات فيما تحميها القوات المسلحة من الخارج. الاختيار الأخير، منح قوات الأمن المركزي إجازة واغلاق المعسكرات إلى أن يصبح الوضع ملائما لعودتهم. نقل وزير الداخلية خطورة الوضع إلى رئيس الأركان فطلب منه استصدار قرار من مجلس الوزراء يجيز للجنود استخدام القوة للدفاع عن معسكراتهم. احتاج الأمر عرضه ثلاث مرات على المجلس حتى انتزع الموافقة أخيرا قبل يوم الجمعة مباشرة حيث أشارت المعلومات إلى أنه سيكون توقيت الاقتحام. سر فزعي أن الأمن المركزي "جيش فعلي" يمتلك من الأسلحة الثقيلة والمتنوعة ما يعني أن حصول المقتحمين عليها في حال نجاحهم في عملية الاقتحام، تحويل الشوارع في كل أنحاء مصر إلى ميدان حرب أهلية ضد القوات المسلحة، وهذا فعلا ما علق به وزير الداخلية. هذه القصة التي لا نشك في مصداقيتها لأن الوزير صرح بها علنا كاشفا عن أطرافها وهم قائد الأمن المركزي ورئيس الأركان ومجلس الوزارء. وهنا لا يجب أن ندعها تمر مرور الكرام، فالله سلم، لكن ماذا لو ظل مجلس الوزراء على ضعفه ورخاوته ويده الحريرية ورفض التصريح للوزير باستخدام القوة، وهو واجب وطني لا يقل عن الدفاع عن الأرض في وجه اعتداء أجنبي. ثم هل هذه المسائل الأمنية الحساسة تتحمل التأخير، أم كان يجب على الإدارة السياسية الممثلة في "رئيس الأركان" كنائب لرئيس المجلس العسكري الحاكم، أن يصدر هذا القرار السيادي في مسألة بالغة الخطورة على أمن مصر وسلامة شعبها؟! الموضوع كما عرضه الوزير، دفاع عن معسكرات الأمن المركزي في وجه هجوم محتمل، أي أن استخدام السلاح سيكون دفاعا عن النفس. فحتى لو كان المقتحمون متظاهرين، فالمعسكرات ليست ساحة للمظاهرات ولا يمكن التساهل في اقتحامها بأي حال. القانون – كما قال الوزير ذاته – ينص على حق الدفاع عن النفس، ليس للشرطة وحدها بل لكل مواطن، فما بالك إذا كان المستهدف معسكرات مدججة بالسلاح الذي يخشى أن يقع في أيدي البلطجية والمتآمرين. نحن إذاً أمام دولة تحتاج فورا إلى تفعيل مؤسساتها بسرعة لانهاء المرحلة الانتقالية، وانتخاب البرلمان ورئيس الجمهورية، ففي المراحل الانتقالية يشعر المسؤول عادة بأنه مؤقت، مُسير للأعمال، ومنزوع من سلطاته، فيتردد في اتخاذ القرار الحاسم كما في حالة وزير الداخلية والحكومة. على الداعين إلى تمديد الفترة الانتقالية وتأخير الانتخابات التمعن تماما في تلك القصة وما كان سينطوي عليها من نتائج كارثية لو أجلت الحكومة قرارها إلى يوم الأحد مثلا، ووقع الاقتحام – لا قدر الله – يوم الجمعة. ومع الاعتذار للوزير وحرصه على القانون وخشيته من أن يتعرض الضباط للسجن إذا اطلقوا الرصاص على أي محاولة لاقتحام معسكراتهم، أقول: لا توجد دولة ديمقراطية في العالم تعرض أمنها للخطر بتلك الصورة. حقوق الإنسان لا تعني الرضوخ للتهجم على أمن الوطن ونزع سلاح قواته. سيرد الوزير بأن الذين دافعوا عن أقسام الشرطة عند اقتحامها تعرضوا للسجن لاطلاقهم الرصاص على المقتحمين. وهذه اشكالية ينبغي حسمها سريعا، فلا يجب مساواة من دافعوا عن قسم الحدائق أو قسم عين شمس مثلا عندما هوجما للحصول على أسلحتهما، بمن أطلقوا النار على المتظاهرين في ميدان التحرير أو ميدان آخر. المواطنون المحيطون بقسم عين شمس قاموا بحماية أسلحته عندما شعروا بالخطر، ونقلوها إلى بيت أحدهم، حتى نهاية الاقتحام الذي كان هدفه في الواقع الحصول عليها وتوزيعها على البلطجية وأرباب السوابق. قسم الشرطة مثل أي معسكر للأمن المركزي ليس ساحة للتظاهرات. وإذا كانت هناك مآخذ فيجب أن تكون النيابة وحدها السلطة الوحيدة فيما يختص بتفتيش أقسام الشرطة والتأكد من قانونية ما يجري فيها، وليس اقتحام المتظاهرين ونهب الأسلحة التي وقعت في أيدي البلطجية والفارين من السجون، وتثير الرعب الآن في كل أنحاء مصر. لنتكلم بصراحة حتى لا نضيع وطنا إلى الآن متماسك وآمن، وحتى لا نتحول إلى شعب من اللاجئين.