للمرة الأولى، لم تجد أم محمد أبوطعيمة، الفلسطينية ذات ال60 عاماً، أبناءها وأحفادها على مائدة الإفطار فى انتظار أذان المغرب، ففى رمضان الماضى كانوا يمرحون حولها، يسألها أصغرهم وهو يمنّى نفسه بلحظات الإفطار عن موعد أذان المغرب، فتربت على كتفيه بحنو، وتطلب منه أن يصبر.. تعد لهم منذ الظهيرة الحلوى التى يحبونها، والعصائر ثم تشرع فى تجهيز وجبة الإفطار الرئيسية، أما اليوم، فقد جلست وحيدة على طاولة الطعام، وسط ركام منزلها، تناجى نفسها وتتذكر أسرتها التى فقدتها بين عشية وضحاها فى العدوان الإسرائيلى على غزة. هذا ليس حال أم محمد وحدها، بل هو حال أغلب أمهات غزة فى شهر رمضان هذا العام، فبعد استشهاد ما يزيد على 1400 فلسطينى خلال الحرب، تعانى مئات الأمهات من فقدان الأهل والأحبة فى هذا الشهر المبارك.. هكذا تعيش غزة أيام رمضان ويقضى سكانها أوقاتاً عصيبة شبه خالية من متعة الشهر الكريم. لم تقتصر المعاناة على الفراق فقط، فالحصار الإسرائيلى للقطاع، والذى وصفته المؤسسات الدولية بأنه «يفقد الإنسان آدميته»، تسبب فى كثير من المعاناة، فالأسواق خاوية من كثير من الخضراوات والفواكه واللحوم، والسلع المتاحة غالباً تكون مهربة عبر شبكة الأنفاق الحدودية بين مصر والأراضى الفلسطينية، وتكون باهظة الثمن، وهناك عدد محدود لديه القدرة على تحمل هذا الارتفاع فى الأسعار، بسبب ارتفاع نسبة الفقر.. وهو نتاج لاستمرار الحصار الإسرائيلى، فيقول أحد المواطنين الفلسطينيين: «لم نر هذه الأسعار المرتفعة، ولا انخفاضاً للدخل، ولا ارتفاعاً لمستوى البطالة، مثل ما نشهده هذا العام، ولا ندرى كيف سنمضى قدماً؟».مشكلة أخرى تواجه غزة فى رمضان هذا العام، هى انقطاع التيار الكهربائى عن المنازل، فالأطفال يتلمسون طريقهم نحو أطباق الطعام ساعتى الإفطار والسحور، وهم لا يعلمون ما يأكلون، فأصبحت الشموع هى وسيلتهم الوحيدة للإضاءة. وتأكيداً على الوضع المتدنى الذى تعانى منه غزة فى شهر رمضان، أكدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» فى بيان لها أنه «مع حلول شهر رمضان المبارك مازالت الأوضاع فى قطاع غزة سيئة، وأصبحت حياة مليون لاجئ فى غزة، يمثلون 70٪ من إجمالى السكان، تخيم عليها البطالة المزمنة، وقلة الحصول على المياه والطاقة والأخطار الصحية، ومستوى الإسكان المتدنى فيما يعيش الآلاف تحت أنقاض بيوتهم السابقة فاقدين كل حاجياتهم الدنيوية». فالفلسطينيون فى غزة يعانون من ارتفاع فى أسعار السلع الأساسية، وبطالة، وانقطاع للتيار الكهربائى، فأصبح هم كل أب غزاوى هو كيفية إطعام أسرته، والبقاء على قيد الحياة.