في هو أول حكم يصدر على الرئيس السابق حسني مبارك منذ تنحيه عن الرئاسة في 11 فبراير، قضت محكمة القضاء الإداري -السبت- بتغريمه ورئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي 540 خمسمائة وأربعين مليون جنيه تعويضا عن الأضرار التي لحقت بالاقتصاد القومي لقطع خطوط الهواتف المحمولة والانترنت خلال ثورة 25 يناير. وقررت المحكمة بقبول دعوى تعويض الدولة عن قطع الاتصالات أثناء الثورة وإلزام مبارك بتعويض 200 مائتى مليون جنيه والعادلي 300 ثلاثمائة مليون جنيه ونظيف 40 أربعين مليون جنيه من مالهم الخاص لإضرارهم بالاقتصاد القومي . وجاءت في حيثيات الحكم، أن قرارا صدر بقطع خدمات الاتصالات وخدمات الإنترنت بتاريخ 25 يناير 2011 لينفذ في منطقة ميدان التحرير اعتبارًا من بعد ظهر يوم الثلاثاء الموافق 25 يناير 2011 حتى صباح الأربعاء الموافق 26 يناير 2011 ، ثم أعقبه قرار آخر صدر يوم الخميس الموافق 27 يناير 2011 لينفذ اعتبارًا من صباح يوم الجمعة الموافق 28 يناير 2011 ولمدة يوم واحد بالنسبة لخدمات المحمول في محافظات القاهرة الكبرى والإسكندرية والسويس والغربية، وقطع خدمات الإنترنت على مستوى الجمهورية اعتباراً من مساء الخميس الموافق 27 يناير 2011 ، واستمر القطع حتى أعيدت الخدمة ظهر الأربعاء الموافق 2 فبراير 2011 . وأضافت: ومن ثم فإن المصلحة في إلغاء القرار المطعون فيه لا تقوم إلا في ظل إعمال مقتضى القرار المطعون فيه واستمراره، بحسبان دعوى الإلغاء تستهدف إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل صدور القرار فإذا عادت الأوضاع إلى سابق عهدها فإن المصلحة الحالة تكون قد زالت بما لا وجه معه للاستمرار في طلب الإلغاء إذ الحكم بالإلغاء لن يُحدث بذاته أثرًا في إعادة الخدمة المقطوعة بعد أن عادت بالفعل. وأشارت الحيثيات إلى أن قرار قطع خدمات الاتصال وخدمات الرسائل النصية القصيرة وخدمات الإنترنت لم يكن قرارًا عفويًا أنتجته ظروف الاحتجاجات السلمية، وإنما كان قرارًا متعمدًا ومقصودًا تم الترتيب والإعداد له قبل بزوغ فجر ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011. ولفتت إلى أن حجم جسامة الخطأ الشخصي لكل من مبارك والعادلى ونظيف لم يكن على قدر واحد، حيث تملك الدور الأكبر في إصدار الأوامر بقطع خدمات الاتصالات وخدمات الإنترنت حبيب إبراهيم العادلي وزير الداخلية الأسبق الذي تُرك له وحده سلطة تقدير الوجود الفعلي والقانوني لحالات المساس بالأمن القومي فأصدر قراره وتعليماته المشددة بضرورة قطع خدمات الاتصالات وخدمات الإنترنت، وقد توافقت تلك القرارات مع توجيهات حسنى مبارك رئيس الجمهورية السابق بحماية النظام وحكومته، وعدم إعادته للخدمات المقطوعة فور قطعها عن المواطنين والمرافق والمصالح الحكومية والخاصة. وقالت المحكمة إنه جرى التمهيد لهذه القرارات بمعرفة أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء الذي شكل لجنة وزارية برئاسته لتنعقد بتاريخ 20 من يناير 2011 لمواجهة التظاهرات السلمية المتوقعة يوم 25 يناير 2011، وتفويض وزير الداخلية الأسبق في اتخاذ قرارات قطع خدمات الاتصالات وخدمات الإنترنت وفقاً لتقديراته الشخصية، ومن ثم فإن المحكمة في ضوء تقديرها لحجم الخطأ الجسيم الذي ارتكبه كل من المسئولين الثلاثة وتأثيره على حجم الأضرار الجسيمة التي لحقت بالبلاد، تعين نصيب كل منهم فى التعويض بإلزام العادلى بتعويض مقداره 300 مليون جنيه، وبإلزام مبارك بدفع 200 مليون، وإلزام أحمد نظيف بتعويض مقداره 40 مليون جنيه. وأكدت الحيثيات أن قطع خدمات الاتصالات والرسائل القصيرة ((SMS عن الهواتف النقالة (المحمول) وخدمات الإنترنت جاء انتهاكاً لمجموعة من الحقوق والحريات على رأسها "حرية التعبير"، و"الحق في الاتصال" ، و"الحق في الخصوصية" ، و"الحق في استخدام الطيف الترددي" ، و"الحق في المعرفة" وما يتصل به من "الحق في تدفق المعلومات وتداولها" وارتباطه بكل من "الحق في التنمية" ، و "الحق في الحياة". كما جاء مخالفاً للمادة (45) من الدستور الساقط المقابلة للمادة (11) من الإعلان الدستوري الصادر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 ، والمادة (47) من الدستور الساقط المقابلة للمادة (12) من الإعلان الدستوري ، والمادة (48) من الدستور الساقط المقابلة للمادة (13) من الإعلان ذاته ، والمادة (9) من القانون رقم 96 لسنة 1969 بشأن تنظيم الصحافة ، والمواد 1 ، 2 ،4 ، 5 ، 13 ، 25 ، 58 ، من قانون تنظيم الاتصالات الصادر بالقانون رقم 10 لسنة 2003 والمواد 64 ، 65 ، 67 من الباب السادس من القانون المشار إليه. وأشارت إلى أنه ليس من شك في أن مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت لا تخلق ثورات، بل يخلقها القهر والحكام المستبدون والفقر والغضب ، ومن ثم لم تكن تلك المواقع سوى وسائل للتعبير انتزعها المتواصلون اجتماعياً وسياسياً تأكيداً لحقوقهم المقررة في الاتصال والمعرفة وتدفق المعلومات وتداولها والحق في التنمية والحق في الحياة الحرة الكريمة التي تظللها العدالة الاجتماعية ، ومن ثم لا يكون حجبها أو تقييدها إلا انتهاكاً لكل تلك الحقوق. واعتبرت المحكمة أن قرار قطع الاتصالات وخدمات الإنترنت لم يستهدف حماية الأمن القومي، وإنما لحماية النظام والحفاظ على مبارك رئيسا للجمهورية الحاكم للنظام حيث لم تكن هناك ثمة حالة تدعو للمساس بالأمن القومى، وتتطلب حماية ذلك الأمن لإصدار ذلك القرار، بل كانت حالة من حالات التعبير السلمى عن الرأى اجتمع عليها الشعب المصرى الأعزل، طالبت بالعيش والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وضرورة إسقاط النظام القمعى المتسبب فى الإفقار وتكبيل الحريات والنهب المنظم لثروات مصر. وأشارت إلى أن الخطأ المنسوب لكل من مبارك ونظيف والعادلى بقطع الاتصالات هو خطأ شخصى يسأل كل واحد منهم عليه لما ألحقه من أضرار بالمواطنين والاقتصاد القومى وسمعة مصر الدولية وبالتالى فهم مطالبين بدفع التعويض من أموالهم الخاصة، حيث أصدروا القرار بقصد النكاية بكل من تسول له نفسه التجرأ على قدسية الحاكم ومطالبته بحقوقه الطبيعية وتضمن القرار منفعتهم الذاتية وحماية مصالحهم الشخصية ومصالح رجال الحكم من الفاسدين وحاشيتهم، وكان تقطيع أوصال الأمة بقطع خدمات الإتصالات وخدمات الإنترنت ذو أغراض استراتيجية هدفت إلى شل حركة المتظاهرين وتشتيت جموعهم وعجزهم عن التواصل والتعبير عن مطالبهم السلمية، وقطع سبل الإنقاذ والإسعاف لمن أصيب من المواطنين برصاص الغدر ونقل من استشهد، وتمكين فئة ضالة من البلطجية والمستفيدين من الاعتداء على المتظاهرين، وكان دافع مصدرى القرار هو الهوى والتمسك الجامح بكراسى السلطة مهما كان الثمن، وفى مقابل ذلك كان المتظاهرون الذين استهدفهم القرار هم (حُماة الأمن القومى)، وكشفت الحيثيات أن الاقتصاد المصري تكبد أضرارا بالغة نتيجة ذلك القرار وبالتالى يجب تعويض الخزانة العامة للدولة، فقد كشف تقرير مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرارات بمجلس الوزراء أن خسائر قطاع الإاصالات والإنترنت بلغت في 5 أيام نتيجة قطع الخدمات 90 مليون دولار وذلك وفقا لتقدير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وأن هذا المبلغ لا يشمل الآثار الاقتصادية التي تحسب عن فقدان الأعمال في القطاعات الأخرى المتضررة مثل التجارة الإلكترونية والسياحة والصناعات المعتمدة على استقرار خدمات الإنترنت والاتصالات وغيرها، فضلا عما أصاب المواطنين من أضرار. وأكدت المحكمة أن تقديرها للتعويض جاء وفقا للمواد 169 و 170 و 221 و 222 من القانون المدني وأن المادة 170 من ذات القانون أعطت للقاضي أن يقدر مدى التعويض عن الضرر الذي لحق بالمضرور بمراعاة الظروف الملابسة، فإن لم يتيسر له وقت الحكم أن يعين مدى التعويض، فله أن يحتفظ للمضرور بالحق في أن يطالب خلال مدة معينة بإعادة النظر في التقدير، وبالتالي اعتدت المحكمة بتقدير مركز دعم المعلومات ومنظمة التعاون الاقتصادي. وفيما يتعلق بتعويض شركات الاتصالات، أكدت المحكمة أن ذلك الطلب ليس معروضا عليها، ويتم وفقا للمادة 68 من قانون تنظيم الاتصالات على أساس نظرية المخاطر، وتعويض المتعاقدين مع الشركات تتم بين الشركات والمتعاقدين. وناشدت المحكمة المشرّع والمجلس الأعلى للقوات المسلحة ومجلس الوزراء بتنقية الباب السادس من قانون تنظيم الاتصالات وإلغاء كل النصوص التي تجيز لأي سلطة قطع خدمات الاتصالات وخدمات الإنترنت حفاظا على الحقوق والحريات وحماية لتدفقات الاستثمار وتحفيزه، وذلك بتقليص الجهات التي يطلق عليها مصطلح الأمن القومي. صدر الحكم برئاسة المستشار حمدي ياسين عكاشة النائب الأول لرئيس مجلس الدولة وعضوية كلا من المستشارين حاتم داوود ومحمد السعيد، وحسنى بشير، وعبد المجيد مسعد، وتامر عبد الله، نواب رئيس المجلس.