تلقيت على بريدي الألكتروني عددا من أسئلة قراء كرام عن آيات قرآنية كريمة بدا لهم فيها عُسْر فهَْم ، وهأنذا أجيبهم عن بعض أسئلتهم بقدر الطاقة : 1- قال الله تعالى " وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " [ فاطر/12] والمقصود بقوله تعالى ( حلية تلبسونها ) الجواهر والمرجان وهي لا تستخرج عادة إلا من المياه المالحة فلماذا قال تعالى ( ومن كل ) أي من العذب والمالح ؟ والجواب كما قال العلماء : هو إما أن ذلك من التوسع في العبارة كما قال تعالى ({ يَامَعْشَرَ الجن والإنس أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ } [ الأنعام / 130 ] والرسل إنما هي من الإنس . وإما لأن المرجان إنما يوجد في البحر الملح حيث تنصب أنهار الماء العذب ، أو ينزل المطر فلما كانت الأنهار والمطر وهي البحر العذب تنصب في البحر الملح كان الإخراج منهما جميعاً ============== 2- قال الله تعالى : في سورة البقرة " " وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " [ البقرة / 23 ] وقال في سورة يونس : " أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " [ يونس /38] وقال في سورة هود : " أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ " [ هود/12] فكيف نفهم هذا الاختلاف ؟ هل لو قلت لرجل أعطني درهما فعجز تقول له : أعطني عشرة دراهم؟ والجواب الذي قال به بعض العلماء هو أن سورة هود نزلت أولا فلما عجزوا عن الإتيان بالعشرة أُنزل بعد ذلك (فاتوا بسورة ) ولكن المبرد أنكر هذا الجواب وقال بل نزلت سورة يونس اولا وأجاب بان معنى قوله فى سورة يونس فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ فى الاخبار عن الغيب والاحكام والوعد والوعيد ، كما هو الحال في الكتب المنزلة المتقدمة فعجزوا عن ذلك ، فقال لهم فى سورة هود : فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ فى مجرد البلاغة وحسن النظم . ثم قال فى سورة البقرة فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ إن صح أنى اختلقته فانكم عرب فصحاء مثلى تقدرون على ما اقدر عليه بل أنتم اقدر لتعلمكم وكثرة ممارستكم وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ ليعينكم على إتيان سور مثله إِنْ كُنْتُمْ أيها الكافرون صادِقِينَ فى قولكم انه مفترى وهذا شرط مستغن عن الجزاء بما مضى . وسؤال آخر يتعلق بهذه الآيات : لماذا قال في البقرة ( من مثله) وقال في السورتين الأخريين ( مثله) بدون ( من ) ؟ والجواب أنه تعالى ركز في سورة البقرة على شكهم في نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فكأنه قال لهم : فلتأتوا بسورة من رجل منكم يماثله في الفصاحة واحتكموا إلى شهود منكم . وسؤال آخر يتعلق بهذه الآيات : لماذا قال ( بعشر ) في هود وحدها ؟ والجواب أنه لما قال ( مفتريات ) فوسَّع عليهم ، ناسب هذا التوسيع في العدد المطلوب لأن الكلام المفترى أسهل فناسبته التوسعة . أما في السورتين الأخريين فلم يذكر ( مفترى) بل السابق من الآيتين تمام المماثلة فذلك أشق وأصعب عليهم. ============================ قال الله تعالى : " أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ، الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ( التوبة/ 19 -20) أى أن : الَّذِينَ آمَنُوا باللّه - تعالى - إيمانا حقا ، وَهاجَرُوا من دار الكفر إلى دار الإيمان فرارا بدينهم ، وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لإعلاء كلمة اللّه بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ هؤلاء الذين توفرت فيهم هذه الصفات الجليلة أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ أى : أعلى مقاما وأشرف منزلة في حكم اللّه وتقديره من أهل سقاية الحاج ، وعمارة المسجد الحرام ومن كل من لم يتصف بهذه الصفات الأربعة الكريمة وهي : الإيمان ، والهجرة ، والجهاد بالمال ، والجهاد بالنفس . والسؤال : إذا كانت هذه الصفات مشتركة بين المسلمين والكافرين. كما جاء في بعض روايات أسباب النزول. فكيف قال في وصفهم أعظم درجة مع أنه ليس للكفار درجة ؟. والجواب عند العلماء من وجوه. الأول أن هذا ورد على حسب ما كانوا يقدرون لأنفسهم من الدرجة والفضيلة عند اللّه ، ونظيره قوله. سبحانه ( آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ) [ النمل /59] الثاني : أن يكون المراد أن أولئك أعظم درجة من كل من لم يكن موصوفا بهذه الصفات ، تنبيها على أنهم لما كانوا أفضل من المؤمنين الذين ما كانوا موصوفين بهذه الصفات ، فبأن لا يقاسوا إلى الكفار أولى. الثالث : أن يكون المراد أن المؤمن المجاهد المهاجر أفضل ممن على السقاية والعمارة. والمراد منه ترجيح تلك الأعمال. ولا شك أن السقاية والعمارة من أعمال الخير ، وإنما بطل ثوابها في حق الكفار بسبب كفرهم . ============================ قال تعالى : " وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا " [ طه /115] وقال أيضا عن آدم في السورة نفسها : " وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى " [ طه /121] والسؤال هو : إن كان الناسي معذورا . فكيف قال اللّه - تعالى - في حقه : وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ؟. والجواب من وجهين : إما أن التجاوز عن النسيان من خصائص الأمة الإسلامية وحدها ، بدليل قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : « إن اللّه تجاوز لي عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ». فيجوز أن يكون آدم ممن يؤاخذ بالنسيان بمعناه العام . وإما أن يكون النسيان بمعنى الترك وهو معنى لغوي من معاني النسيان يدل عليه قوله تعالى (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ) [ التوبة /67] ونستكمل لاحقا إن شاء الله . [email protected]