منذ العمليَّة الأمريكيَّة في "أبوت أباد" والجنرالات الباكستانيون يتعثَّرون في الاتهامات الموجَّهة إليهم بالتواطؤ مع بن لادن, أو بسبب عدم كفاءتهم، الأمر الذي يخفِّف من قبضة تدخل الجيش الباكستاني في شئون البلاد الداخليَّة والخارجيَّة. الأمر الأكثر خطورة، والذي لا يمكن أن يقبله الباكستانيون, هو اختباء بن لادن في مدينة عسكريَّة على مقربة من العاصمة إسلام آباد, أو إقدام الأمريكان على اغتياله دون أي اجتماعات مع الجيش الباكستاني, وفي كلتا الحالتين, فهم يلقون باللوم على العسكريين، حتى أصبح جنرالات الجيش مثار سخرية وتهكُّم كتَّاب الأعمدة والمدوِّنين. هذا الترنُّح الذي بدا عليه القادة العسكريون ظهر جليًّا في تصريحات الناطقين باسم أشفق كياني, الرئيس الحالي للقوَّات المسلَّحة الباكستانيَّة, وأحمد شجاع باشا, مدير المخابرات العسكريَّة, وعدم اتفاقهما على خط ثابت من التصريحات المتماسكة, اللذين ادَّعَيا رفضهما للهجوم الأمريكي في باكستان بشدة, معلِّلَين تقاعس الجيش في هذه الليلة بسبب نسيان شخص ما تشغيل الرادار, أو لأنه لم يعملْ سوى تجاه شرق الهند, وفي الوقت ذاته من شبه المؤكَّد أن الجنرال باشا سيطير إلى أمريكا لتخفيف وطأة الأمور. جدير بالذكر أن الجيش الباكستاني يستهلك قرابة ربع الإنفاق العام، ويحصل على النسبة الأكبر من المساعدات الخارجيَّة, دون رقابة على ذلك, كما أنهم يديرون الشركات الكبرى, ويعمل لديهم أكثر من 500 ألف، بالإضافة إلى استيلائهم على مساحات كبيرة من الأراضي لصالح الضباط المتقاعدين, كما أن الجيش يضع السياسات الخارجيَّة ووسائل مكافحة الإرهاب ومبادرات السلام مع الهند, فضلا عن عزمه توسيع الترسانة النوويَّة الباكستانيَّة التي تتجاوز مائة رأس, وبذلك ستصبح باكستان في القريب خامس أكبر قوة نوويَّة في العالم و المولِّد الرئيس للطاقة النوويَّة. أما القادة السياسيون فقد منحهم هذا التشويش على العسكريين الفرصة, سواء الرئيس آصف زرداري أو رئيس الوزراء يوسف جيلاني, وبدلا من محاولة الدفاع عن الجيش, قاموا بالضغط في اتجاه ضرورة خروج الجيش من المدينة، وتساءل جيلاني أمام البرلمان عما يقوم به الجيش لمحاربة الإرهابيين, وطالب بإجراء تحقيق في قضية بن لادن, وقال: كانت أمريكا هي السبب في معظم المشاكل من قبلُ, إلا أن "الثقة الكاملة في القيادة العليا" للجيش والمخابرات أفقدتهم هيبتهم، مطالبًا الجنرال كياني بتفسير ما حدث من أخطاء أمام البرلمان. بيدَ أن العسكريين الفاقدين لهيبتهم, تصدَّروا المشهد من جديد, حيث أخبر كياني زملائه من الضباط أن ردود أفعال المدنيين "غير كافية", إلى جانب مطالبة بعض الشخصيات العامَّة ذات الصلة بالجيش, لا سيَّما شاه محمود قريشي وزير الخارجيَّة السابق, وعمران خان, السياسي المحافظ الواعد, كلا من الرئيس ورئيس الوزراء بالاستقالة. وعلى الجانب الأمريكي, فقد نكأ أوباما جراح الجيش عندما تحدث مرة أخرى عن "شبكة دعم" بن لادن في باكستان, مشيرًا إلى أنه لم يستبعد تواطؤ الاستخبارات الباكستانيَّة حتى الآن, لذا فقد سعى المسئولون الأمريكيُّون للحصول على أرامل بن لادن الثلاثة اللائي وُجِدن في أبوت لاستجوابهن, وقبل كل شيء, فهم يريدون أسماء جميع رجال المخابرات الذين عملوا على ملف تنظيم القاعدة. أما رجال الأمن الباكستاني فاعتبروا أن اشتباه أمريكا في تواطؤ الاستخبارات الباكستانيَّة أمر مثير للسخرية؛ حيث أنهم في حالة حرب مع القاعدة, واعتقلوا 40 من قادتها, وتعرَّضت مكاتب المخابرات ومقرّ قيادة الجيش في روالبندي لهجمات عنيفة من تنظيم القاعدة، ومع ذلك فقد أشار الأمريكيون إلى رفض باكستان شنّ حملة ضدّ شبكة حقاني, حليف تنظيم القاعدة في شمال وزيرستان, كما ألمحوا أيضًا إلى علاقات الاستخبارات الباكستانيَّة مع حركة طالبان الأفغانيَّة منذ فترة طويلة, بما في ذلك زعيمها الملا عمر, في مدينة كويتا في بلوشستان. وبرغم الجهود المضنية التي بذلها رئيس هيئة الأركان الأمريكي مايك مولن, فإن العلاقات بين البلدين أصابها التوتر لسنوات, حيث سخط المواطنون الباكستانيون من هجمات الطائرات الأمريكيَّة بدون طيار على المتمردين الأفغان, إلى جانب اختلاف وكالات الاستخبارات الباكستانيَّة والأمريكيَّة في العام الماضي حول دخول العشرات من رجال وكالة المخابرات المركزيَّة الأمريكيَّة إلى باكستان لملاحقة طالبان والقاعدة دون رقابة المخابرات الباكستانيَّة. وقد وصلت العلاقات إلى أسوأ حالاتها في يناير عندما ألقت الشرطة الباكستانيَّة القبض على مقاول وكالة المخابرات المركزيَّة الأمريكيَّة بعد قتله باكستانيين في لاهور, والذي فشل الدبلوماسيون الأمريكيون في الإفراج عنه, ومؤخرًا قامت بعض وسائل الإعلام, يُفترض أن المخابرات الباكستانيَّة هي التي تغذِّيها بالمعلومات, بالكشف عن اسم مدير وكالة المخابرات المركزيَّة الأمريكيَّة في إسلام آباد, والأمر ذاته حدث مع سلفِه قبل نحو خمسة أشهر. يبدو تخبط العسكريين جليًّا في ردود أفعال الجنرالين كياني وباشا, حيث هنَّأ كلٌّ منهما مارك جروسمان, مبعوث أمريكا الإقليمي، على قتل بن لادن، لدى مقابلته بعد ساعات قليلة من الغارة, بينما في المقابل يُبدون استياءَهم وتذمُّرَهم من وطأة تدخل أمريكا في باكستان, إلا أن هذا التعثُّر يمكن أن يكون موازنةً للأمور من أجل الحصول على المساعدات العسكريَّة والحفاظ على العلاقات بين الحليفين. لكن من الواضح أن العلاقات بين أمريكا وباكستان ساءت إلى درجة كبيرة, حيث يعتقد الجنرال محمود علي دوراني, سفير باكستان في واشنطن حتى عام 2008, أن المشكلة هي أن كلا الطرفين لا يتحدث مع الآخر بصراحة, فبدلا من أن يتظاهر الجيش الباكستاني باستعداده لشنّ حملة على شمال وزيرستان، فكان ينبغي عليه أن يوضِّح مدى صعوبتها من الناحية العمليَّة, كما يتعيَّن على الأمريكيين توضيح الأدلَّة على قولهم بأن الاستخبارات الباكستانيَّة تتعاون أو تتواطأ مع القاعدة أو طالبان. ترجمة/ حسن شعيب (الاسلام اليوم)