قلبى مع هؤلاء التعساء الذين ابتلاهم الله بالأمراض النفسية والعصبية ، ..أولئك الذين تتمثل أهم وسائل علاجهم فى توفير قدر أكبر من المعتاد من المعاملة الإنسانية لهم حتى يمكن أن نأخذ بيدهم نحو الشفاء، أو على الأقل حتى لا نكون نحن عاملا من عوامل تدهور حالتهم ،.... غير أن المفارقة الأليمة تكمن فى أننا فى معظم الحالات نعطف فقط على المرضى بدنيا ( والعطف عليهم أيضا مطلوب)، فى الوقت الذى نضيق فيه بتصرفات المرضى نفسيا نتيجة لما قد يبدو لنا من غرابة تصرفاتهم فنقسو عليهم قسوة شديدة رغم أنهم أحوج إلى العطف من المرضى بأمراض بدنية، ورغم أن العطف لا العقاقير هو دواؤهم الأول ، إن لم يكن هو الأول والأخير!! ، ,,,,,قلبى مع هؤلاء التعساء الذين شاء لهم قدرهم أن يولدوا وأن يعيشوا فى هذه الحقبة الراهنة من تاريخ مصر بكل ما يسودها من أنانية متوحشة ومن جشع وفساد يستشرى من القمة للقاع ، وأهم من ذلك ما يسودها من طغيان بوليسى جعل من الأجهزة الأمنية هى المتحكم فى أغلب أوجه الحياة ، وفى نفس الوقت جعل من الشرائح محدودة الذكاء والأفق ، هى المتحكم فى أغلب الأحوال فى صنع القرار على أكثر من مستوى من مستويات الأجهزة الأمنية ، ... فيما مضى كانت الأجهزة الأمنية تفتقر إلى الحس الإنسانى مثلما هى الآن ، لكنها كانت فى الغالب الأعم أكثر ذكاء وحنكة، فعندما كان يهز المجتمع جريمة ما أو حادث إرهابى معين كانت الأجهزة الأمنية تسارع إلى تلفيق الإتهام إلى أقرب شخص تختاره من قوائمها المعدة سلفا أو إلى أقرب شخص يلقى به حظه العاثر إلى مسرح الجريمة ثم يبدأ التعذيب لكى يعترف الضحية بأنه الجانى ثم يقدم الجانى بعد ذلك إلى المحاكمة مصحوبا بسيد الأدلة : الإعتراف طبقا للسيناريو الذى رسمته الأجهزة الأمنية،.... فيما مضى، كان السيناريو ينطوى على قدر معين من المعقولية ، وكان قابلا للتصديق من منظور الرأى العام ومن منظور المتابعين إلى أن يثبت العكس ،أما الآن، فلم يعد يهم القيادات الأمنية أن تكون سيناريوهاتها قابلة للتصديق من جانب الرأى العام فالمهم عندهم أن تكون قابلة للتصديق من جانب رؤسائهم وحدهم، ورؤساؤهم لم يعد لديهم من الخيال ما يعينهم على رسم أى تصور بديل مقنع للرأى العام، (ولم يعد يعنيهم الرأى العام أصلا طالما أن قبضتهم فى النهاية قوية وباطشة)، وهكذا أصبحت الفريسة الجاهزة الجديدة المكررة للأجهزة الأمنية هى المرضى نفسيا أو عصبيا أو المختلين عقليا ... وقد ساعدهم على ذلك سهولة انتزاع الإعتراف من المصابين بأمراض معينة ممن لا يحتملون أى جرعة من جرعات التعذيب، أو الضغط النفسى، ولو فى حدوده الدنيا !!,,,, قلبى مع هؤلاء المرضى التعساء الذين قد يوقعهم حظهم العاثر مع سلطة غاشمة لا تعرف الرحمة فى زمن لا يرحم ، قلبى معهم بعد أن اجتمع عليهم فى آن واحد : الداء والشرطة والزمان.