قال الروائي علاء الأسواني، إنه يتعين على الرئيس عبدالفتاح السيسي ألا ينخدع بالتأييد الساحق الذي يحظي به "فهو ليس مطلقًا بل مشروطًا بامتثاله لإرادة الشعب المصري". ورأى أن "الثورة المصرية بالرغم من أنها تبدو وكأنها هزمت إلا أنها لم تسير في الاتجاه المعاكس؛ فلقد نجح الثوار في تحقيق تغييرات عميقة لا رجعة فيها في الفكر والسلوك الإنساني، فلقد حاربوا الخوف وتعلموا كيف يحددون مصير بلادهم ونجحوا في الإطاحة برئيسين في أقل من ثلاثة سنوات". وتابع في مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أن السيسي أمامه ثلاث خيارات إما استعادة نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، أو ترسيخ حكم قومي ثوري استبدادي يحقق المساواة بين الأفراد، في الوقت الذي يحرمهم فيه من ممارسة حقوقهم السياسية، أو استغلال شعبيته الكاسحة وهو الخيار الأكثر صعوبة لترسيخ مبادئ الديموقراطية. وقال في مقاله المعنون: "خيارات السيسي: الأفضل والأسوأ"، إن حالة الفقر، والفوضى، وانعدام الأمن، والهجمات الإرهابية المتواصلة هي التي دفعت بالمصريين "لعبادة" السيسي بوصفه البطل الذي سينقذهم من محنتهم. واعترف الأسواني بأن "الحملة الإعلامية الشرسة التي تشنها القنوات المملوكة لفلول مبارك والتي تزعم بأن الثورة ما هي إلا مؤامرة أمريكية قد نجحت في التأثير علي الرأي العام؛ بالرغم من غياب الأدلة ليجد الثوار أنفسهم متهمين "بالخيانة". وقال إن "أنصار السيسي وهم يشكلون أغلبية المجتمع المصري فقدوا حماستهم للثورة فهم يرونها سببًا لجميع الأزمات التي حلت بهم". وأوضح أنه "يمكن للسيسي الاعتماد ليس فقط على مؤسسات الدولة؛ ولكن أيضًا الفلول الذين تمكنوا من جمع ثرواتهم خلال عهد مبارك؛ فأملهم الأخير هو أن يصبح الرئيس الجديد "مبارك جديد" يزيد من حجم ثرواتهم، ويعزز من نفوذهم". وإلى نص المقال: هناك نكتة يهودية قديمة تحكي عن رجل أراد مقابلة الحاخام ليشكو إليه الرجل "لدي زوجة وخمسة أبناء ونعيش في حجرة صغيرة واحدة ولا أقدر عللا إعالتهم . من فضلك أدعوا لي الرب ليساعدني ." طلب الحاخام منه أن يعود إليه في اليوم التالي . وحينما عاد ، وجد الحاخام يحمل بين يديه ماعز . وقال له " إن الرب يأمرك بأن تأخذ تلك الماعز إلي بيتك " لقد تعجب مما قائله الحاخام . وبعد أسبوع أراد العودة إلي الحاخام ليشكو إليه الماعز ؛لكن الحاخام أوصاه بالتحلي بالصبر حتى يقضي الإله بشيء آخر . ومر أسبوع آخر ، وعاود الرجل الذهاب إلي الحاخام حينما نفذ صبره ." إن رائحة الماعز لا تطاق ، كما أنها حطمت أثاث الحجرة ، وآذت أطفالي، إنني أفضل الموت علي أن تظل تلك الماعز في حجرتي." . استعاد الحاخام الماعز مرة أخري. وبعد أسبوع، سأل الحاخام الرجل عن حاله فرد "مبتسمًا" :" لا نزال فقراء ولا تزال الحجرة صغيرة للغاية... إلا أن الحجرة رائعة للغاية بعد أن رحلت الماعز !" إن تلك النكتة ربما تسلطت الضوء علي ما يحدث في مصر . فالمصريون الذين تمردوا علي الرئيس حسني مبارك وأطاحوا به عاشوا ثلاث سنوات في ظروف أسوأ من تلك التي ثاروا عليها . لقد تدهور الوضع الأمني ، والاقتصاد يعاني الركود ، وباتت الفوضى تهدد المجتمع المصري . ووفقًا للإحصاءات الحكومية ؛فإن معدلات البطالة قد ارتفعت إلي أكثر من 13% (وصلت إلي 3.7 مليون في الربع الأول من العام الجاري بعد أن كانت 2.4 مليون خلال الربع الأول من عام 2010 ). ووجه تراجع أعداد السياح ضربة "ساحقة" إلي صناعة السياحة ؛إذ انخفضت عائداتها خلال الثلاثة أشهر الأولي لعام 2014 بنسبة بلغت 43% مقارنة بنفس الفترة لعام 2013 . أعداد أولئك الذين يعانون الفقر – أولئك الذين يعيشون بأقل من 500 دولار في العام وفقًا للإحصاءات الرسمية – قد ارتفعت نسبتهم من 21.6% لعام 2009 إلي 26.3 % بحلول نهاية عام 2013 . إنَّ الملايين الذين يحتفلون بالانتصار الذي حققه وزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي في سباق الانتخابات الرئاسية ،هم أنفسهم الذين احتفلوا في الشوارع بسقوط مبارك ، وهم الذين هتفوا لنجاح مرسي في الانتخابات الرئاسية لعام 2012 ، وخرجوا في تظاهرات في يونيو الماضي مطالبين بالإطاحة به . باختصار، لقد دفعت حالة الفقر، والفوضى وانعدام الأمن، والهجمات الإرهابية المتواصلة بالمصريين "لعبادة" السيسي بوصفه بطلاً يتطلعون لأن ينقذهم من محنتهم. خلال اللقاء العلني الأخير ، صرخت امرأة في وجه السيسي قائلة :" إنَّ اْبني هجم عليه رجال مسلحون في الشارع وقتلوه . لقد فقدت ولدي وكل ما أطلبه منك هو استعادة الأمن . الأمن فقط ." إنها مجرد مثال لملايين المصريين الذين يتوقون لاستعادة الأمن بأي ثمن . ولا يعنيهم عودة الدولة البوليسية أو التقارير الصادرة عن منظمات "حقوق الإنسان" التي تدين ما تقوم به السلطات من اعتقالات تعسفية وتعذيب المعتقلين. لقد فقد أنصار السيسي وهم يشكلون أغلبية المجتمع المصري "حماستهم" لثورة 25 من يناير التي يعتبرونها سببًا لجميع الأزمات التي حلت بهم بعد ذلك ، لقد أصبحوا مستهدفين من الحملة الإعلامية "الشرسة " التي تشنها القنوات التلفزيونية المملوكة للمقربين من الرئيس المخلوع مبارك والتي تزعم أنَّ التظاهرات التي شهدها ميدان التحرير ما هي إلا مؤامرة أمريكية . وبالرغم من غياب الأدلة علي صحة هذا الزعم ؛ إلاَّ أنَّ حملة " التشوية " تلك نجحت في التأثير علي الرأي العام ؛ليجد الكثير من الثوار أنفسهم متهمين "بالخيانة" . يمكن للسيسي أيضًا الاعتماد علي دعم مؤسسات الدولة ، بالإضافة إلي دعم أولئك الذين تمكنوا من جمع ثرواتهم خلال عهد مبارك . فأملهم الأخير أن يكون السيسي "مبارك جديد" يزيد من حجم ثرواتهم ، ويعزز نفوذهم. وبالرغم من ذلك لا تزال جماعة " الإخوان المسلمين" متربصة علي المستوي السياسي ، فهي ترفض الاعتراف بأنَّ الشعب قد خرج للإطاحة بها من سُدة الحكم. فيفضل الإخوان العيش في كنف عالمهم الأيديولوجي الذي يري أنهم يشنون حربًا ضد أعداء الإسلام. وهناك الثوار الذين يرفضون السيسي وديكتاتوريته حتى وإن كانت ستستعيد دولة القانون والنظام. وحتى الآن، لا تزال نسبة المعارضين للسيسي ضعيفة. إذنْ، يمكننا طرح سؤال هل الثورة المصرية اْنحرفت، بالفعل، عن مسارها؟ الإجابة هي أنَّه ربما هُزمت الثورات؛ لكنها لم تسير في الاتجاه المعاكس؛ لأن الثوار استطاعوا تحقيق تغييرات عميقة لا رجعة فيها في الفكر والسلوك الإنساني. لقد حارب المصريون الخوف، وتعلموا كيف يحددون مصير بلادهم.لقد نجحوا في الإطاحة برئيسين في أقل من ثلاث سنوات. إنَّ التأييد الساحق الذي يحظي به السيسي الآن ، ليس "مطلق" ولكنه مشروط بتحقيقه ما يريده المصريون . إنَّ الرئيس الحالي أمامه ثلاث خيارات. أولها أنه يمكنه استعادة النظام القديم، ويحمي المسؤولين الفاسدين ويستمر في السير علي نهج سياسات مبارك المعتمدة علي القمع والكسب غير المشروع. إن الرهان بالنسبة للسيسي سيكون عما إذا كان المصريون الذين تحملوا مثل هذا الشكل من الحكم الذي دام ثلاثة عقود، ستكون لديهم الرغبة للخروج ضده مرة أخرى. المسار الثاني هو ترسيخ نظام حكم قومي ثوري استبدادي كالذي كان سائدًا في الدول العربية خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي،في ظل حاكم يحقق المساواة بين أفراد الشعب في الوقت الذي يحرمهم فيه من ممارسة حقوقهم السياسية .لقد كشف التاريخ عن أنه حتى الديكتاتور "حسن النية" ينتهي به الحال إلي جر بلادهم نحو "كارثة"، فإنجازاته محفوفة بالطغيان. أما الخيار الثالث وهو الأكثر صعوبة فينبغي علي السيسي استغلال شعبيته الكاسحة في تحقيق جهد حقيقي للقضاء علي الفساد ، يثمر عن فرض الضرائب التصاعدية، والحد من الفقر . وفي الوقت نفسه ، يتعين عليه ضمان الحريات الشخصية ،ووضع نهاية للاعتقالات ، والتعذيب ، ويعمل علي احترام الدستور والقانون . قريبًا سنري أي الخيارات سيتبناها السيسي. http://www.nytimes.com/2014/06/16/opinion/alaa-al-aswany-sisis-choices-good-and-bad.html?hp&rref=opinion&_r=0 Sisi's Choices: Good and Bad