اكتساح "داعش" المفاجئ لشمال العراق بات الهم الأول لكثير من السياسيين اللبنانيين الذي علمتهم الجغرافيا والتاريخ أن بلادهم تتأثر بأحداث الشرق العربي. خطورة صعود داعش على لبنان تعود لأسباب عديدة منها شراسة هذا التنظيم وتقدمه اللافت للنظر في عدة جبهات، كما أن هدفه المعلن تأسيس دول على كل بلاد الرافدين والشام بما فيها لبنان، وهو مانجح فيه جزئيا إذ أزالت داعش الحدود فعلا بين العراقوسوريا لأول مرة منذ دخول الاستعمار المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى. ولكن الأكثر خطورة هو تشابه التركيبة الطائفية بين لبنانوالعراق من حيث وجود طائفتين كبيرتين سنية وشيعية في البلدين، طائفتان جمع بينهما الزواج والمصاهرة في كلتي البلدين وفرقت بينهما السياسة أكثر من الدين والمذهب.. طائفتان تتأثران بما يحدث وراء الحدود. وبينما يتساءل البعض متى تظهر داعش في لبنان، فإن السؤال الأكثر إلحاحا هل يتدخل حزب الله في العراق مثلما فعل في سوريا، وأثار إعلاميون مقربون لحزب الله الجدل بعد أن تساءلوا على مواقع التواصل الاجتماعي إذا كان الحزب قد تدخل كما يقول لحماية مقام السيدة زينب في سوريا، فماذا هو فاعل لحماية مقام الحسين ومقامات كل أئمة الشيعة في العراق !؟. مسئولو حزب الله من جانبهم رغم تكرارهم للتحذير من مخاطر داعش، فإنهم تجنبوا أي إشارة توضح هل يمكن أن يتدخلوا أم لا .. فيما تحدثت أوساط مقربة للحزب عن أنه قد يضطر إلى تعزيز وجوده في سوريا لتعويض سحب الميلشيات العراقية الشيعية من هناك للقتال في العراق مثل ميلشيات أبي الفضل العباس وكتائب عصائب أهل الحق المنشقة عن جيش المهدي والموالية لإيران، مشيرة إلى أن هذه الميلشيات تتمتع بالمهارة العسكرية وبالتالي يمكن أن تلعب دورا في مواجهة قوات داعش بعد انهيار جزء من الجيش العراقي. أما بالنسبة للتدخل المباشر، فقد استبعد المحلل السياسي والخبير في شئون الشرق الأوسط توفيق شومان تدخل حزب الله في الأزمة العراقية في مواجهة داعش، نظرا لأن الحكومة العراقية استفاقت من الصدمة ونجحت في لجم الاندفاعة الأولى لداعش وهو ما يظهر في المعارك في سامراء وبعقوبة. حسب قوله ورأى شومان في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط أن كفة الميزان العسكري بدأت تميل لصالح الحكومة العراقية خاصة بعد الأنباء عن أنه تحت يدها مليون متطوع، كما أن هناك جهدا دوليا دؤوبا لمساعدة الحكومة العراقية، ولكنه أكد أن هذا لايعني أن بغداد سوف تستطيع إنهاء سيطرة داعش على الأرض قريبا. كما استبعد العميد الدكتور أمين حطيط الخبير في شئون الشرق الأوسط تدخل حزب الله في العراق كليا لسببين أن العراق ليس بحاجة إلى رجال، خاصة بعد الفتوى التي أصدرها المرجع الأعلى للطائفة الشيعية في العراق على السيستاني والتي جعلت مراكز التطوع تزدحم بالمتطوعين مما حدا بالسيستاني إلى إسقاط التكليف الشرعي عن بعض الفئات مثل الموظفين والطلاب. كما رأى أن القوة العسكرية لداعش متواضعة وماحدث هو مسرحية فولكلورية نتيجة الخيانة والرشوة، ولكن لم يكن هناك عمل عسكري حقيقي.. مستبعدا بشكل كلي تدخل حزب الله في العراق. وحول تأثير انتصارات داعش على تطور المعارك في سوريا واحتمال انتقالها إلى لبنان.. قال إن الجماعات المسلحة في سوريا دفعت من قبل النظام إلى مرحلة لا يمكن أن تعود بعدها إلى امتلاك زمام المبادرة. وأضاف أن المناطق الرئيسية كلها أصبحت تحت سيطرة الدولة وهى دمشق وحمص والساحل، أما الشرق السوري فيرى أن هذه المنطقة التي توجد بها داعش سوف تقع بين فكي كماشة وسيطبق عليها الجيش السوري من الغرب والجيش العراقي من الشرق. ورأى أنه ليس هناك قابلية عسكرية أوجغرافية أو ديموغرافية لاستمرار داعش لأن تحاول أن تتحدث باسم أهل السنة، ولكن إذا كان بعض أهل السنة خدعوا في مراحل بمثل هذا الخطاب ولكنهم باتوا يلفظوه، وهو ماحدث في مصر حيث خدع الإخوان المسلمون جزءا من الشعب المصري، ولكن هذا الشعب في لحظة استيقظ وأخرجهم من السلطة وهذا نموذج لكل دول المنطقة. وقدر إجمالي عدد مقاتلي داعش بنحو 25 إلى 30 ألفا موزعين بمقدار نحو 10 آلاف في العراق بينهم نحو 200 إلى 300 ضابط من الجيش العراقي السابق، وهناك ما يتراوح بين 12 ألفا إلى 15 ألفا من عناصر داعش في سوريا . وأوضح أن العنصر الأول في داعش هم العراقيون الذين يشكلون نحو 75 % من داعش في العراق، والباقي من مناطق أخرى كثير منهم خليجيون وقلة من شمال أفريقيا، أما داعش في سوريا ف 40 % إلى 45 % من عناصرها سوريون ومن 15 إلى 20 % من العراقيين والباقي شيشان وأفغان. أما الدكتور محمد علوش الباحث المتخصص في الإسلام السياسي فإنه لايستبعد تدخل حزب الله في العراق لمواجهة داعش، ولكنه يرى أنه إذا حدث ذلك فسيكون بشكل سري تماما حتى لايفسد حزب الله علاقته بالمكونات اللبنانية الداخلية التي تضررت أصلا جراء تدخل في سوريا . ويرى علوش أن مثل هذا التدخل قد يؤدي إلى إنهيار التفاهم بين حزب الله وتيار المستقبل الذي أفضى إلى تشكيل الحكومة اللبنانية برئاسة تمام سلام وحل كثير من المشكلات الأمنية في البلاد.. لأن الحزب سيتهم بأنه يزج بلبنان في هذا الأتون الطائفي. كما يرى علوش أن الوجود الشيعي في العراق غالب إذ يشكلون أكثرية سكانية وسياسية، وبات هناك اصطفاف شيعي خلف الجيش العراقي في مواجهة داعش والمجموعات المتحالفة معها والتي تهدد المكاسب التي حققها الشيعة في العراق منذ الغزو الأمريكي، وبالتالي كل هذا لايجعل هناك حاجة ماسة للتدخل العسكري من قبل حزب الله، غير أنه يرجح حدوث تدخل إيراني بشكل مباشر أو غير مباشر . وحول المخاوف من أن تؤدي انتصارات داعش إلى توسع التنظيم وانتقاله إلى لبنان ... رأى أن هناك أفكارا لداعش في شمال لبنان والمخيمات، أما احتمال ظهور فعلي للتنظيم فيتوقف على مدى قدرته على اختراق الحدود اللبنانية التي يسيطر عليها حاليا الجيش السوري وحزب الله والجيش اللبناني. وقال لا شك إن المزاج السني في المنطقة محبط وهناك شعور بالتفوق الشيعي، وبالتالي أي إنجازات تحققها داعش ولو وهمية يكسبها نوعا من الحضانة والتعاطف في الأوساط السنية خاصة السلفية، وهذا قد يؤدي إلى استقطاب عناصر جديدة. ولفت في هذا الإطار إلى أن كثيرا من المنظرين المعاديين لداعش والمؤيدين للنصرة داخل التيار السلفي الجهادي في سوريا والأردن والعراق وحتى دول الخليج، باتوا يدعون للتفاهم مع داعش باعتبار أنهم يرون من وجهة نظرهم أن ما حدث من إنجاز استراتيجي للسلفية الجهادية لايجب إضاعته مثلما حدث من قبل في أفغانستان نتيجة الانقسامات. ورأى أن هناك مبالغة مقصودة في إظهار قوة داعش وتصويرها على أنها القوة الوحيدة التي تقف وراء هذه الانتصارات التي تحققت في العراق، في حين أن لها حلفاء أخرين مثل الطريقة النقشبندية والجيش الإسلامي وهذه مجموعات ذات اهتمامات وطنية أي ليس لها أهداف خارج العراق. ولفت إلى أن داعش تشكل الجيل الثالث من التنظيمات السلفية الجهادية الأكثر تطرفا وراديكالية من القاعدة، متوقعا أن تنجح داعش في التمدد لفترة داخل سورياوالعراق، لافتا إلى أن هناك مؤشرات أن جبهة النصرة بدورها تحاول أن تتمدد في العراق بعد انتصارات داعش.