للمرة الأولى منذ تأسيس الكيان الصهيوني يتظاهر الفلسطينيون حول حدود بلادهم التاريخية مطالبين بحق العودة . وللمرة الأولى منذ زمن طويل يسقط فلسطينيون مدنيون شهداء على حدود بلادهم من مختلف الجبهات العربية، بل يخترقون بأيديهم العارية هذه الحدود من جهة “مارون الراس” في جنوب لبنان ومن جهة “مجدل شمس” في الجولان السوري المحتل الأمر الذي طبع “نكبة” هذا العام بطابع جديد تماماً سيكون له ما بعده . وإذا كانت المرة الأولى التي يواجه فلسطينيو الشتات مغتصبي أرضهم عبر أسلاك الحدود الشائكة في تظاهرات مدنية حاشدة فقد سبق لهم أن انطلقوا نحو فلسطين بعد حرب حزيران يونيو عام 1967 عبر مجموعات فدائية اخترقت الحدود الأردنية والمصرية واللبنانية والسورية ونفذت عمليات عسكرية في العمق الفلسطيني وصل بعضها إلى تل أبيب، بيد أن هذه العمليات سرعان ما توقفت على الحدود المصرية الفلسطينية والسورية الفلسطينية أثر حرب أكتوبر عام 1973 والحدود الأردنية الفلسطينية بعد الحرب الأهلية في العامين 1970 1971 وفي لبنان بعد الاجتياح “الإسرائيلي” ورحيل منظمة التحرير الفلسطينية عن بيروت عام 1982 . الواضح أن توجه الفلسطينيين نحو حدود بلادهم التاريخية انطلاقاً من مراكز الشتات العربي في الآن معاً واختراق هذه الحدود قد تم في المرة الأولى عندما تصدعت منظومة الأمن والرقابة العربية بعد هزيمة يونيو/حزيران وانهيار الجيوش الرسمية خلال ستة أيام في الحرب المذكورة، وبالتالي تحرر فلسطينو الشتات من القيود والقمع والضبط ومبادرتهم للتعبير بقوة عن إرادتهم الثابتة في تحرير بلادهم والعودة إلى أراضيهم التي هجّروا منها بعد تأسيس الكيان الصهيوني عام ،1948 واليوم نشهد على تحرر الفلسطينيين ثانية من القيود والرقابة الصارمة في مناخ عربي مدجج بالحراك السياسي والانتفاضات الشعبية وانشغال الدول العربية في مواجهات داخلية وانتقال العدوى إلى الفلسطينيين الذين بادروا إلى طرح شعار “الشعب يريد إسقاط الاحتلال” على غرار أخوتهم العرب الذي رفعوا شعار “الشعب يريد إسقاط النظام” . وتفيد سيرة القضية الفلسطينية طيلة القرن العشرين ومطالع الالفية الثالثة، أن الشعب الفلسطيني كان ينتفض على الدوام ضد عدوه الصهيوني في كل مرة يتيح الفضاء العربي ظروفاً مؤاتية للانتفاضة وبالمقابل كان الشعب الفسطيني يدفع ثمناً باهظاً في كل مرة يتيح الفضاء العربي المحيط بفلسطين ظروفا تنطوي على درجات قصوى من الخضوع والتبعية للقوى الراعية للكيان الصهيوني . هكذا حال الفلسطينيين في مصر بعد اتفاقيات كامب ديفيد، وفي الأردن بعد اتفاقيات وادي عربة بل في الضفة وغزة بعد اتفاقيات أوسلو وقبل انتفاضة الأقصى . والثابت أن هذه الانتفاضة الوطنية الفلسطينية ما كان لها أن تتم لولا اتفاق المصالحة الذي تم للتو بين فتح وحماس، ولولا انهيار النظام المصري السابق الذي راهن على الدوام على أفضل العلاقات مع “إسرائيل” والولايات المتحدة، بل ولم يتورع عن حراسة الانقسام الفلسطيني وتوسيعه لخدمة هذا الغرض . يبقى رهان انتفاضة مايو/أيار الجاري على إقامة الدولة المستقلة ضمن حدود العام 1967 هدفاً مشروعاً قبل سبتمبر/أيلول المقبل وفقاً للأجندة الفلسطينية حيث يرجح أن يعلن الفلسطينيون الاستقلال من طرف واحد ويحظون باعتراف دولي من دون التراجع عن حق العودة أو التنازل عن الحق في مقاومة المحتل . ولعل الجديد في هذه السيرورة هو موافقة حماس على مشروع الدولة المستقلة ضمن طرحها لشعار الهدنة الطويلة مع الكيان الصهيوني . أما على الصعيد الرمزي يمكن لهذه الانتفاضة أن تشكل علامة فارقة في النضال الفلسطيني المتحد داخل وخارج حدود فلسطين التاريخية كانتفاضة الأرض وانتفاضة الأقصى وانتفاضة مخيمات الشتات وسائر الانتفاضات التي ما برحت مستمرة منذ احتلال فلسطين . نقلا عن الخليج: