توجهت الدكتورة عايدة سيف الدولة، الناشطة الحقوقية البارزة، بالاعتذار إلى المعتقلين عبد الله الشامي ومحمد سلطان وأسرتيهما، وذلك بعدما اتخذت قرارًا بإنهاء إضرابها عن الطعام اليوم. حيث قالت سيف الدولة خلال اعتذارها: "أعتذر لأنني بعد اثني عشر يومًا من الإضراب عن الطعام مع صديقتي ورفيقتي د. ليلى سويف أعلن أنني سوف أنهي هذا الإضراب اليوم، بعد أن تأجلت جلسة محمد سلطان بالأمس ليوم 17 يونيو وعدم حضوره من محبسه.. وبعد أن تأجلت اليوم جلسة تجديد حبس عبد الله الشامي للمرة الثانية إلى 11 يونيو دون أن يحضر من محبسه، أدرك أن ما يجري في غرف النيابة وقاعات المحاكم لا علاقة له بالقانون، وإنما بقرار سياسي باستخدام القضاء إلى جانب الرصاص لحسم صراع سياسي، مدعومًا بإعلام قرر أن يكون خادمًا للنظام بدلًا من الحقيقة. لم يكن إضرابي مثل إضراب عبد الله أو محمد الشامي إضرابًا حتى الموت، أو حتى الإفراج عن المعتقلين.. بل كان أبسط من ذلك كثيرًا: إضرابًا من أجل تحويلهم إلى المستشفى بعد أن مر على إضرابهم عن الطعام أكثر من 130 يومًا، يقبع في الأسبوعين الأخيرين منها عبد الله الشامي وحيدًا، محرومًا من الزيارة - حتى الأمس - في زنزانة انفرادية بسجن العقرب شديد الحراسة دون أن يصدر بشأنه قرار اتهام، دون أن يحال إلى المحاكمة وهو الصحفي الشاب الذي ارتكب جريمة لا تغتفر بأن مارس مهنته في تغطية أحداث مذبحة رابعة العدوية، المذبحة الأكبر في تاريخ كل من عاش ليشهد على هذه الأيام من جيلي والجيل السابق عليه. بالأمس تمكنت والدة وزوجة وشقيق عبد الله الشامي من زيارته في سجن العقرب وتقريرهم عما شاهدوه في هذه الزيارة مرفق مع هذه الرسالة. لماذا الاعتذار؟ حين بدأت هذا الإضراب التضامني الرمزي مع د. ليلى سويف كانت تحركني بعض الأوهام أعتذر عنها جميعًا. كنت أتوهم أن حياة الإنسان لها ثمن.. وأن شابين يمكن أن يكونا أبناء أو أشقاء أو أصدقاء أي منّا على وشك الموت هو أمر جلل كفيل بأن يحرك المياه الساكنة، أم أقول الآسنة، فيخلق حركة ضغط وتضامن واسعة تفرض على السلطات تنفيذ القانون ولا شيء أكثر من هذا، لم يحدث. كنت أتوهم أن تفاصيل إضراب ومعاملة والظروف غير القانونية المحيطة بقضيتهما كفيلة بأن تثير غضب خمسين مواطن ومواطنة صدعوا رؤوسنا بدستور لا مثيل له فيما يكفل من حقوق وحريات وحفاظ على كرامة الإنسان وسلامته وأن يخرجوا أو يخرج أحدهم أو إحداهم فتقول للسلطات التي عينتها: ليس هذا ما اتفقنا عليه، احترمونا واحترموا أنفسكم وطبقوا الدستور والقانون. لم يحدث كنت أتوهم أن يصدر عن منظمات حقوق الإنسان، التي كنت أنتمى إلى مجتمعها، ولو بيان إدانة لما يتعرض له عبد الله الشامي ومحمد سلطان وأن تمضي نصف يوم تجمع عليه التوقيعات معبرة عن "مزيد قلقها" كما اعتادت أو أن توجه رسالة شديدة اللهجة إلى المجلس القومي لحقوق الإنسان أو بيانًا إلى الداخلية أو بلاغًا مشتركًا إلى النائب العام. لم يحدث. كنت أتوهم أن يسعى المجلس القومي لحقوق الإنسان، حيث إن لنا فيه بعض المعارف والأصدقاء والرفاق القدامى، أن يسعى إلى انتزاع حقه في الحفاظ على حقوق الإنسان بموجب قانونه هو ذاته، وأن يخضع مصلحة السجون للقانون بأن يتوجه إلى سجن العقرب وقد أصبح معه تصريح النائب العام، التصريح الوحيد المطلوب في طلب الزيارة الشخصية. لم يحدث وبدلًا من إخضاع مصلحة السجون للقانون قرر أن يخضع هو لوزارة الداخلية وأن ينتظر موافقتها على أن يذهب لزيارة أحد ضحاياها، وبدلًا من أن يعترف بأن جبروت الداخلية حال دونه وأداء دوره، ويضم الصفوف معنا لنتصدى لها معًا، أو يستقيل حفاظًا على كرامته، وقف يحدثنا عن إنجازات المجلس في الدفاع عن حقوق الإنسان. كنت أتوهم أن في هذه البلاد أحزاب سياسية صادقة حين تصف نفسها بالديمقراطية وفيما تدعيه في مطالبتها بدولة القانون وأن المواطنين أمام القانون سواء. فلم يحدث. فالدروس التي جاءت بها 30 يونيو ثم انقلاب 3 يوليو هي أننا لسنا جميعًا بشر.. بل بيننا بشر وبيننا "أشياء في هيئة البشر" وتلك الأخيرة مباح قتلها وذبحها واعتقالها وتعذيبها ليستتب الحال لمن لا يدركون كم أصبحوا بعيدين عن الإنسانية وأن أي مشروع يأتون به إلى البلاد سوف يكون مخضبًا بدماء القتلى وصرخات المعذبين وديون السنوات الضائعة ظلمًا وقهرًا بين جدران السجون وفي ظلامها. تلك كانت أوهامي أعتذر منكم عنها.. المنتصر الوحيد في هذه المعركة هو عبد الله الشامي ومحمد سلطان. انتصروا على الجوع وعلى جلاديهم وعلى محاولات الجلادين فك إضرابهم قسرًا.. انتصروا على ضعف الجسد بصلابة الموقف واليقين بالحق.. كلمة التضامن قليلة عليكما؟؟ إلى أسرة عبد الله الشامي، السيدة ثريا والسيدة جهاد والصديق مصعب، أتقدم بخالص اعتذاري أنني لم أكن على صلابة ابنكم.. لكنني أتعهد لكم وله ولكل المعتقلين ظلمًا وعدوانا أن قضيتهم سوف تبقى قضيتي دون سواها.. وأن هذه الدولة وهذا النظام، وأي نظام، سيبقى عدوًا أناهضه وأقاومه قدر استطاعتي طالما تحميه وزارة داخلية وسلطات أمنية تقترف كل الجرائم وتبقى فوق المحاسبة وفوق القانون. وفي النهاية لا أملك إلا توجيه الشكر لصديقتي الدكتورة ليلى سويف التي ما كنت لأتمكن من هذا التضامن الرمزي بدونها، ولأسرتي في مركز النديم، التي رغم اتخاذي هذا القرار منفردة لم تراجعني فيه ولم تدخر جهدًا للتضامن مع أسرة عبد الله الشامي، وسوف تستمر.. وأخيرًا وليس آخِرا لعشرات الثوار الذين انضموا لوقفات التضامن مع عبد الله الشامي ومحمد سلطان ونشروا أخباره على صفحات التواصل الاجتماعي والقلة من الجرائد الإلكترونية بعد أن تقاعس الإعلام عن تبني قضية هي بالأساس قضية إنسانية فكان ذلك إعلانًا من رجاله ونسائه بأن الإنسانية لا تعنيهم قدر ما يعنيهم رضا السلطان."