لا أعرف من صاحب هذه الخرافة التي تتحدث عن دور لحمدين صباحي مستقبلا كزعامة للمعارضة المصرية في البرلمان أو في الحياة الحزبية بشكل عام ، ولا أفهم أي منطق لهذا الأمر ولا أرضية للكلام من حيث المبدأ ، فموقفه في الانتخابات الرئاسية ختمه بموقف وضع أمامه ألف علامة استفهام حول دوره والسقف الذي كان يلعب فيه ، والثناء الوحيد الذي حصل عليه كان من معسكر خصمه المفترض في الانتخابات ، وهناك إجماع من المعارضة المصرية على أن حمدين لعب لحسابه وليس لحساب الثورة أو حتى معايير وطنية مجردة ، وخذل صباحي من وقفوا معه وحاولوا النفخ فيه لعل وعسى ، لكن الأهم من هذا كله أن النتيجة التي حققها حمدين في انتخابات الرئاسة كشفت عن أنه كان مجرد "فقاعة" سياسية ، وما زال الأمر مثيرا للحيرة عن الرقم الذي حصل عليه في انتخابات 2012 ، والذي يقترب من خمسة ملايين صوت ، وكنت أسمع يومها عن تدخلات وموازنات جرت من جهات عدة من أجل إقصاء البعض أو حصر المنافسة في مرشحين بأعينهم ، وأيا ما كانت حقيقة تلك المسألة إلا أن الأرقام التي حصل عليها حمدين صباحي في انتخابات 2014 تجبر أي سياسي يحترم نفسه على اعتزال الحياة السياسية ، لا أن يتبجح بالحديث عن قيادته للمعارضة في الفترة المقبلة ، فما حصل عليه صباحي لا يتجاوز السبعمائة ألف صوت انتخابي في جميع أنحاء الجمهورية ، وهو ما يقترب من أصوات دائرة انتخابية واحدة في البرلمان ، لم يعترض صباحي على الرقم أبدا ، ولم يتهم أي جهة رسميا بالتلاعب في الأصوات التي حصل عليها ، بل أعلن احترامه للنتيجة وموافقته ، حمدين لوح بأن الأرقام النهائية للحضور والتصويت لا تحترم ذكاء المصريين ، وهو كلام صحيح ، لكنه تحصيل حاصل ، ولكنه كان يقصد تضخيم نسب المشاركة ، ولكن ما حصل عليه لم يعترض عليه أو يطعن أبدا ، في اعتراف صريح بأن هذا هو ما حصل عليه بالفعل ، فإذا كان صباحي قد عصر نفسه ومن معه وعصر معه سبعة أحزاب أخرى على رأسها حزب الدستور ليكون محصلة أمره في النهاية هو 3% من مجموع الناخبين ، فهذا يعني أنه مجرد "فقاعة" تم النفخ فيها كثيرا ثم تم ثقبها لنكتشف أنه ليس له أي حضور شعبي حقيقي ، حتى أن نتيجته تحولت إلى نكتة في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عندما حل ثالثا في النتائج ، رغم أن المرشحين اثنان فقط ، لأن نسبة المقاطعين للانتخابات كانت أكبر من النسبة التي حصل عليها حمدين ، وبوجه القطع فإن هذا الرقم هو ما حصل عليه حمدين ، لأن التزوير ليس بسحب أوراق وإنما بإضافة أوراق ، فإن كان هناك شك في الإضافة فالشك شبه مستحيل في أن يسحبوا أوراق تصويت له من الصناديق . اللعبة التي لعبها حمدين في انتخابات الرئاسة ، أو المغامرة ، حسبها خطأ ، وكان فيها نهايته كسياسي ، لأنه خسر ما تبقى من تقدير أو ثقة فيه بين شباب ثورة يناير ، وكان قد خسر مسبقا من بقية التيار الناصري وخاصة شيوخه الذين لا يثقون في حمدين نهائيا ، وبالتالي لم يعد لحمدين أي أرضية شعبية على الإطلاق إلا من دائرة صغيرة من أصدقائه الشخصيين ، وفي اعتقادي أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة كانت لقطة النهاية لمشوار حمدين صباحي السياسي ، وآن له أن يستريح أو يقضي بقية وقته في مركز أبحاث أو أن يحيي صحيفة الكرامة أو شيء من هذا القبيل ، كما أن نتيجة الانتخابات الرئاسية وما حدث فيها بشكل عام حتى في معسكر المشير السيسي أثبتت أنه لا يوجد أحزاب في مصر بالفعل ، وإنما واجهات ولافتات لمجموعات مصالح اقتصادية أو اجتماعية أو دينية ، والمعارضة الحقيقية في المستقبل هي لجيل جديد من الشباب يضع كل هياكل وأحزاب ورموز المرحلة السابقة خلف ظهره ، سواء استمر في نضال الشوارع والميادين من خلال ائتلافات لا تعترف بأي أنساق قانونية أو مؤسسية جديدة ، أو إذا تمخض حراكهم عن أحزاب جديدة أو جبهات سياسية أكثر تنظيما وأوضح رؤية للإصلاح ، ثورة يناير وما تلاها طوت جيلا سياسيا بكامله ، آن له أن يستريح ويريح .