كانت دعاوى الحرية والديموقراطية، وسياسات التزوير والكذب، وحملات التضليل وغطرسة الطغيان وإذلال الشعوب، كان كل ذلك حتى عهد قريب، حكرا على الطغاة والظلمة في الدول الفقيرة النامية، ونهجا تتميز به الديكتاتوريات التي تحكم بالحديد والنار، غير أن الأمور قد تبدلت بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، إذ احترفت كل هذه السياسات المأساوية الدولة الأعظم في التاريخ البشري، لأنها ابتليت بقيادة هزيلة عديمة الخبرة ضحلة المعرفة، تسلطت عليها عصبة صهيونية، سخرت السلطة التنفيذية والتشريعية ومجمل السياسات الأمريكية لخدمة الكيان الصهيوني في فلسطين، وأضرت إضرارا بالغا بالمصالح العليا للشعب الأمريكي، وجعلته مكروها في العالم، على نحو كريه لم يسبق له مثيل من قبل. * * * لقد أعلنت السيدة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية في لقائها بلجنة الاعتمادات في مجلس النواب الأمريكي 10 مارس الجاري بأن انتشار الحرية والديموقراطية هو أفضل علاج لانتشار أيديولوجيات الكراهية التي تغذي الإرهاب، وزعمت رايس بأن أفغانستان قد أصبحت ( بعد الغزو الأمريكي ) ديموقراطية بازغة؟! وقالت السيدة كارين هيوز وكيلة الخارجية الأمريكية بأن السبيل الوحيد للتغلب على الشر والأشرار في العالم هو العمل الصالح وقوة الدفع المتزايدة من أعمال الخير والخدمات الجليلة والتضحيات. وليس من شك أن أي إنسان يراقب ما يجري في العراق أو أفغانستان أو فلسطين، من مذابح مروعة وفتن طائفية دامية، وسجون سرية قذرة للتعذيب الجهنمي والإذلال الإنساني الذي لم يسلم منه حتى النساء والأطفال، وتدمير كامل لكل مقومات الحياة البشرية، لن يتردد في القول بأن كلمات الوزيرة رايس ووكيلتها السيدة هيوز عن الحرية والديموقراطية والكرامة، ليست إلا أكاذيب فاضحة ودعاوى جوفاء فارغة، بل هي جرائم كبرى خاصة إذا علمنا أن الشعب الأمريكي ينفق على مواصلة هذه المجازر والمآسي والكوارث مئات البلايين من الدولارات، التي لو أنفقت في الخير والبر لغيرت وجه الحياة على هذه الأرض، وإذا أدركنا أن هذه الحروب الغاشمة قد ضاعفت من أعمال الإرهاب في جميع أنحاء العالم، وجعلت السلام والأمن الدوليين مهددين أكثر من أي وقت مضى، وأضرت إضرارا بالغا بأوضاع الحريات وحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم. * * * يقول السيد جيمس جفري منسق شؤون العراق في الخارجية الأمريكية، إن وزارته طلبت من الكونجرس اعتماد مائة مليون دولار لبناء المزيد من السجون في العراق، بالإضافة الى أربعة مليارات دولار للميزانية الإضافية المطلوب إنفاقها لمواصلة احتلال العراق لعام 2006، ولعل هذه الميزانية الضخمة لبناء السجون ( مائة مليون دولار ) تفسر الجهود الأمريكية المخلصة لنشر الحرية والديموقراطية في العراق الشقيق. لقد أقر خمسة من المفكرين اليمينيين الأمريكيين، الذين سبق أن حرضوا الرئيس الأمريكي على غزو العراق، ووفروا إطار العمل الفكري لتلك الحملة العسكرية، بأنهم كانوا على خطأ وأن التحايل كان سيد الموقف في معالجة الأوضاع، وأنهم يحسون بالعار ويقرون بالهزيمة، كذلك فعل مئات المثقفين وجمعيات حقوق الإنسان وكبريات الصحف، لكن المخيف في الأمر أن هذه الإدارة الأمريكية الحمقاء، تعد العدة وتهيئ الظروف لإشعال أزمات وحروب جديدة في إيران وسوريا ولبنان والسودان، وبذلك تشتعل منطقة الشرق الأوسط بكاملها، وعلى العقلاء أن يبذلوا جهدهم ليس لإنهاء المآسي الدموية في العراق وأفغانستانوفلسطين فحسب، بل للحيلولة دون إشعال النيران في إيران وسوريا ولبنان والسودان أيضا. لكم تذكرنا تصرفات هذه الإدارة الأمريكية وتصريحات مسؤوليها صباح مساء، بكل ما فيها من غطرسة وحماقة وانصياع أعمى لخدمة إسرائيل، بتحذيرات السيد نلسون مانديلا التي قال فيها منذ أكثر من عامين بأن هذه الإدارة ستقود العالم الى كوارث. [email protected]