يتزايد اعتماد الرئيس السوري بشار الأسد على قاعدة دعمه العلوية لسحق الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية التي تمثل أجرأ تحد لحكم عائلة الأسد لسوريا الممتد منذ 41 عاما. أرسل الأسد الذي ينتمي للطائفة العلوية الشيعية الجيش ووحدات من الشرطة السرية يهيمن عليها ضباط ينتمون لنفس طائفته وهي أقلية في سوريا الى مراكز حضرية يغلب على سكانها السنة لإخماد المظاهرات التي دعت الى إسقاطه على مدى الأسابيع الستة الماضية. وزاد الخطر بعد أن استخدمت قواته الدبابات لقصف مدينة درعا الأسبوع الماضي واقتحام المساجد ومهاجمة المدنيين العزل كما أورد سكان ونشطاء. وتشير تقارير الى أن مجندين من الطائفة السنية التي تمثل أغلبية في سوريا رفضوا إطلاق الرصاص على المحتجين. ولمح الرئيس "45 عاما" مرارا الى أن المحتجين يخدمون مؤامرة خارجية لنشر الفتنة الطائفية. وحافظ الأسد على النظام السياسي الذي ورثه من والده وينتمي الى الحقبة السوفيتية. وتعيد هذه الفكرة للأذهان اللغة التي استخدمها والده الرئيس الراحل حافظ الأسد حين أخمد حركة احتجاجية شارك فيها إسلاميون وعلمانيون ويساريون مثلت تحديا لحكمه في الثمانينات ولم تلق صدى واسع النطاق. وانتشرت الاحتجاجات الحاشدة المطالبة بالحرية السياسية وإنهاء الفساد بعد ان أدلى الأسد بهذه التصريحات. وتقول جماعات لحقوق الانسان إن قوات الأمن قتلت بالرصاص 560 مدنيا على الأقل في هجمات على المحتجين. ولايزال المئات مفقودين ويخشى أن يكون كثيرون قتلوا كما ألقي القبض على الآلاف لينضموا الى آلاف السجناء السياسيين. لكن الأسد ربما يكون لعب على وتر حساس بين ابناء طائفته العلوية الذين برزوا في الجيش في ظل الحكم الفرنسي حين استخدمت الإدارة الاستعمارية سياسة "فرق تسد" للسيطرة على سوريا كما يقول بعض المؤرخين. وزادت أعداد الضباط العلويين وأصبحوا مسيطرين على القوات المسلحة بعد بضع سنوات من تولي حزب البعث الحكم عام 1963 خاصة الأسراب المهمة في القوات الجوية وكتائب الصواريخ والمدرعات واجهزة المخابرات. وقال عضو سابق بإدارة شؤون الأفراد بالجيش "من حيث الأعداد معظم أفراد الجيش من السنة لكن النقيب العلوي له سلطة أعلى من لواء سني". ويعامل العلويون معاملة مميزة في الوظائف الحكومية والأمنية غير أن الكثير من القرى العلوية ظلت فقيرة كما قادت شخصيات بارزة من هذه الطائفة جزءا من المعارضة العلمانية لحكم عائلة الأسد. وندد إعلان وقعه الاقتصادي العلوي الكبير عارف دليلة -الذي قضى ثماني سنوات كسجين سياسي بعد انتقاده عمليات الاحتكار التي منحت لأحد أقارب الأسد- بما وصفها بتكتيكات نشر الفزع الطائفي التي تستخدمها السلطات. وخلال الاحتجاجات حاول الأسد الذي سمح للإسلاميين بممارسة مزيد من السيطرة على المجتمع ماداموا لا يتدخلون في السياسة تهدئة المحافظين السنة من خلال الوعد بفتح جامعة إسلامية وتخفيف القيود على ارتداء النقاب. واستخدم والده مزيجا من القمع ومنح الامتيازات لضمان ان تدعم طبقة التجار السنة حكام سوريا الذين ينتمون لأقلية. وضعف نفوذ هذه الطبقة تدريجيا مع صعود جيل جديد من رجال الأعمال مرتبط بعائلة الأسد. لكن السيطرة على الجيش ظلت الأساس لاستمرار حكم عائلة الأسد العلوية الشيعية لشعب أغلبيته من السنة. وقصفت الفرقة الميكانيكية الرابعة بقيادة ماهر شقيق الأسد مدينة درعا لتجبرها على الرضوخ الأسبوع الماضي. وانتشرت وحدات من الحرس الجمهوري حول دمشق. وفي الرستن شمالي حمص قال سكان إن ضباطا بالمخابرات العسكرية قتلوا 17 محتجا يوم الجمعة. وقال شهود إن السلطات تسلح قرى في جبال العلويين المطلة على مدن اللاذقية وبانياس وطرطوس الساحلية حيث عين العلويون الذين ينحدرون من هناك في الحكومة وأجهزة الأمن مما أدى الى تهميش المجتمعات السنية التقليدية. وقال سكان إن مسلحين موالين للأسد يعرفون باسم "الشبيحة" حاولوا نشر الرعب بين المتظاهرين فقتلوا ستة مدنيين على الأقل في هجمات لها دوافع طائفية. وقال مهندس سوري مسيحي والذي ظلت طائفته على الهامش خلال الاضطرابات "كنت أقود سيارتي ومعي زوجتي واولادي في جبال العلويين فوق بانياس وكانت حواجز الطرق تقريبا في كل قرية علوية. القرويون كانوا يحملون بنادق كلاشنيكوف جديدة". وقال انس الشغري وهو أحد قادة الاحتجاجات في بانياس التي يغلب على سكانها السنة إن القرويين العلويين المسلحين في التلال المطلة على المدينة قسموا الى مجموعات لتشكيل ميليشيات موالية للحكم. وأضاف الشغري أنه يؤسفه أن يقول إن الدعاية التي ينشرها الأسد بأن العلويين لن يستمروا اذا تمت الإطاحة به تلقى صدى بين المنتمين لهذه الطائفة. وقال تقرير للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومقره الدوحة "التحريض الطائفي وصل إلى مرحلة متقدمة جدا في مناطق تقطنها شرائح متعددة لكنه رغم ذلك لم ينتج بوادر فتنة طائفية مصدرها الأهالي". وأضاف "لا خلاف حول هوية ما يسمّى "بالشبيحة" باعتبارهم فرقا نصف جنائية من الزعران المقربين من رجالات النظام". وقال إن القيادة السورية تبحث "أهمية العامل الطائفي على ساحة الفعل السورية وإمكانية استغلاله في مواجهة مضامين الاحتجاجات الشعبية من أجل الحرية والكرامة". "رويترز"