بوجوههم المتهللة,وأساريرهم المنبسطة,وطوالعهم السعيدة,وافترار ثغورهم عن عز وعلو محمدي,ولهجة صادقة,وألسنة موزونة,وقرائح سخية,أثبت هؤلاء الرجال في حماس رجوليتهم في ميدان الجهاد السياسي,كما قرروها من قبل في جهادهم القتالي,قرروها في السياسة و ما أقل الرجال فيها.إن راية الإسلام لم ترتفع في ميادين السياسة منذ دهور ولم تطأ أقدام جنده البررة أرضها منذ عصور,ويوم كانت السياسة مسلمة,كانت سياسة سليمة وديعة,راشدة في قصدها,إنسانية في نهجها,عليها البهاء الإلهي,والنور الإشراقي,يوم لم تكن السياسة شيئا إلا المنفعة العامة,والمصلحة المستقيمة. السياسة الصحيحة التي لا يداخلها دخن,ولايقارفها ميل عن منهاج القسط,ونمط العدل,هي تلك السياسة التي تلببت بالإيمان وتحزمت بهداية القرآن,بخ بخ لها من سياسة متهللة,مشرقة,خالطتها بشاشة الشريعة وحلاوتها,وما اشتملت عليه من المصالح في القلوب والأبدان , فهي بهذا وذاك, مانعة النفس عن أهوائها وخسائسها,مترقية بها في مراتب الوجود من كمال إلى كمال إلى أن تصل بها إلى أخلاق أهل السماء في طهارتهم وجميل فعالهم,فلا جرم أن لا ترى فيها في جملتها, عوجا ولا أمتا,ولا ظلما ولا هضما,وتنثال من هذا وذاك براكات هذه السياسة المومنة سعة حال,ورحمة عامة,فمتى تعود رايات الإسلام فاتحة أرض السياسة العالمية بعد تسلط أرجاس .إن الواحد من صعاليك الساسة اليوم,لتراه في هيئته كأنه مضطغن صبيا,وقد امتلأ بطنه,ليس من سمنة أو بدن, ولكن من كثرة الإفك والمظالم المتواترة على قلبه وجوفه,حتى عاد من إلفه لذلك,مختوم القلب, متبلد الحس,كالجيفة في غاية الهوان والضعة. والسياسة في انسلاخها من الديانة,تلتحق بأصلها اللغوي وجذرها في اللسان العربي,فهي من ساس الطعام يساس,وسَوّس يسوِّسُ,إذا وقع فيه السوس,فالسوس في الطعام العث الذي يفسده,وهو في السياسة أهواء الساسة وشهواتهم,ودخائلهم فيها وخسائسهم التي تذهب فيها كل مذهب فتعمل فيها كعمل الدود في الطعام فيفسد,وكالقمل في الشاة فتسوس.فشريعة المسلمين غسلت هذا اللفظ,بماء طهور,وأحسنت صياغته وتهذيبه,ومازالت به تصلحه وتنوره,وتخرج ما به من جاهلية وهوى ,وتفرغ عليه من نورها وهداها ,حتى أسلم وحسن إسلامه,ودخل مع ما دخل في الإسلام من الكلمات والألفاظ,فاصطبغت السياسة بخلقه,وتشمرت بسجيته,وتقنعت بطبعه.ويوم انسلخ المسلمون عن فرائضهم وواجبات ملتهم,وتغولت فيهم الخبائث,والنزعات السافلة,وانتقضت عروة الحكم الرشيد في دولتهم,هاج وماج بعضهم في بعض,وانسلخت السياسة, وانسلخت اللغة,وانسلخت الرحمة والأخلاق,وانسلخت عنهم الدنيا وعزها,وتوالت عليهم الإنسلاخات تذلهم,وترغم أنوفهم...فلا دينا حفظوا,ولا دنيا ربحوا.وفي تاريخ المسلمين,أنواع من الساسة,فمنهم السابق بالخيرات,ومنهم المقتصد,ومنهم الظالم لنفسه. أما الفريق الأول,والثاني فقليل قليل,وهم عند الناس معلومون,وبالفضل مذكورون,وأما الفريق الثالث فهو الغالب الظاهر,وهم في هذا العهد أغلب وأظهر,وفي الحديث الصحيح,"لا يأتي على الناس زمان إلا والذي بعده شر منه". وأهل حماس في هذا الزمان,نفحة خير في السياسة,قليل من البر في كثير من الشر,ورب قليل خير من كثير.فيا أهل الحماس إذا كانت يد القدرة الإلهية نصرتكم,فنجمتم,ولمع في الدنيا بارقكم فظهرتم,وفتح الله عليكم الفتوح,وجمع عليكم هذا الشعب,فإن من صفات المومن الوفاء مع الله والناس بالمواثيق والعهود,فلا تضيعوا الفروض,ولا تغرنكم المناصب,والألقاب فتتعدوا الحدود,فقد تقلدها وتسمى بها ملوك وأمراء,فأين خلافتهم,وأين حكمهم"هل تحس منهم من أحد أوتسمع لهم ركزا",وأكثروا من الإستخارة,فإنها سراج الإستنارة,واغضبوا لله ورسوله ولعرض المسلمين,وأرضهم,وكرامتهم,وما ثكلوا من فقد الخلافة,فإنها مكان الإستغضاب,والإستثارة.وإني لمدرك ما أنتم فيه من دواهي الأمور,ومضلات الفتن,وتربص السفهاء الرعاشيش وترصد الأعداء الرعاديد,فإنها لتموج بكم موجا,ولكني عليم أن فيكم رجالا من التقوى والدين,من لو أقسم على الله لأبره,قلبه فيه مثل السراج يزهر لا يكاد يخطىء توسمه,أو تضل فراسته,وأن منكم من لو اقتدح من النبع لوري نارا,عقلا وفطنة,ومراسا للأمور.وقد كثر على الشاشات هوس القادحين فيكم,وتعاظم عليكم المرجفون,فلا تصغوا إليهم,وامضوا حيث تأمرون,واستشيروا أهل الرشاد فإنهم لن يألونكم,حقا واستنهاضا.واعلموا أن الدنيا وقانونها ,والشريعة وهديها,والطبيعة وسنن الله فيها,قررت أن الحياة فيها ثوابت ومتغيرات,وأن ثوابت الأرض المقدسة والأصقاع المباركة حولها,أنها أرض إسلامية,ملكية أرضها للمسلمين كافة,وأن من أكبر الكبائر,وأعظم الفجائع, التفريط في شبر منها,أو الإقرار بغاصبها والإعتراف بناهبها,خذله الله وأذله. وأسأل الله ألا تنطوي أعوام ولايتكم,إلا وقد بيضتم الصحائف والوجوه والذكر والسمعة. طه أحمد المراكشي