كان الملف الفلسطينى مختطفا من قبل امريكا واسرائيل ومبارك ، ثلاثى أدار هذا الملف وفقا للرؤية الاسرائيلية بما يحقق لها الأمن والاستقرار وتكريس وتعزيز جود الكيان الصهيونى حتى ولو كان على حساب أشلاء الشعب الفلسطينى .. ثلاثى الشر ( امريكا – اسرائيل – مبارك ) لم يكن يوما عادلا ، ولم يراع يوما معاناة الشعب الفلسطينى الذى شرد من أرضه واتهم بالإرهاب لمقاومته الاحتلال ، كان جل هم ثلاثى الشر هو تحقيق الامن والاستقرار لكيان غاصب لا شرعية لوجوده على أرض فلسطين الا فى اذهان الحكومات التى اعترفت به ، وعقلية العملاء الذين ربطوا شرعية وجودهم فى كراسيهم بشرعية وجود المحتل ، هؤلاء جميعا خطفوا ملف القضية الفلسطينية ونثروا أوراقها بين دهاليز السياسة والمفاوضات العبثية لأكثر من عقدين، ولم يحققوا أى انجاز للشعب الفلسطينى على أرض الواقع فلا هم أعادوا له أرضه المسلوبة ، ولا هم أعادوا اللاجئين الى أراضيهم ، ولا حتى وفروا للشعب الفلسطينى أدنى حد من حقوقه وكرامته المسلوبة فى المخيمات التى أكتظت بهم فى لبنان وسوريا والاردن ... وشاء الله أن يسقط أحد أضلاع مثلث الشر ( مبارك ) ليتحول كل ماهو صعب المنال والتحقيق الى أمر يسير ، وأول تلك الصعاب المستحيلة كانت المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس والتى كان الجميع يراها تجسيد لإنقسام الشعب الفلسطينى بين غزةورام الله فى الضفة الغربية ، وفوجىء العالم بإعلان توقيع تلك المصالحة بين الطرفين بالأحرف الأولى فى القاهرة وتحت رعاية المجلس الأعلى للقوات المسلحة ... وبدا الامر كأن مبارك كان العقبة الوحيدة أمام إتمام تلك المصالحة وبسقوطه سقطت كل العقبات فى طريقها . نعم مبارك كان أكبر عقبة تعثرت فيها خطوات المصالحة الوطنية بين فتح وحماس لإنحيازه التام للطرف الصهيونى وحرصه على القيام بدور الوسيط المنحاز لكل ما يخص أمن الدولة الصهيونية وكرهه الشديد لحماس ورموزها وقادتها وهذا أمر عرف به ، كره ألتصق وأنسجم مع كره الصهاينة لهم لما تمثله حماس من عنوان لمقاومة المحتل وهذا المبدأ كان مرفوضا من قبل النظام المصرى الذى باع القضية الفلسطينية بكل ثقلها للطرف الصهيونى ، وباتت أبواب مصر فى عهده لا تفتح إلا لكل من يدعو للسلام من أجل أمن المستوطن الصهيونى واستقراره ، وقتل وإغتيال كل من يرفع سلاحهه فى وجهها ، ولكن مبارك لم يكن كل العقبات ، فمازال هناك عقبات وعثرات على الطرفين اجتيازها لنشهد منحى متطورا للقضية الفلسطينية فى الطريق الصحيح ، وعلينا ألا نفرح كثيرا بعناق أبو مرزوق وعزام الأحمد أمام شاشات الفضائيات .. وأن ننتظر لرؤية شواهد وبنود تلك المصالحة واقعا يطبق على الأرض ، فأمام "فتح" الكثير من الأفعال لإثبات صدق نواياها وأهمها الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين من كافة الفصائل الفلسطينية فى سجونها فلا يعقل ان يسجن فلسطينى أى ان كان انتماؤه فى سجن فلسطينى بعد ان تحول الوطن كله الى سجن كبير بيد المحتل ، ولا يعقل ان تتشابه أيادى المحتل بأيادى فلسطينية تمارس ما تمارسه أيدى المحتل !! يجب ان يتم تطهير سجون رام الله ويتم تبييضها كتعبير خالص عن حسن النوايا ، وان يتوقف التنسيق الأمنى بين السلطة الفلسطينية وبين سلطات المحتل ، والا كيف نصدق ان الموقعين على تلك المصالحة لديهم بالفعل النية الحسنة للعمل من اجل فلسطين وشعبها لا من اجل المحتل الصهيونى . كلنا نعلم ان للمفاوض الفلسطينى عقيدته التى تحركه ( المفاوضات السلمية ) والتى تختلف عن عقيدة المقاوم الذى يؤمن بمبدأ ( ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة ) ، ونعلم أن من أسباب ضعف الطرف المفاوض على مدى عقدين من الزمن هو عدم أمتلاكه أوراق الضغط القوية التى يضغط بها على المحتل ومن يواليه معتقدا ان الجامعة العربية الهشة هى ورقة الضغط التى يمكن له استخدامها ( مع ان المبادرة العربية شيعت الى مثواها تحت أقدام شارون ) ، كذلك كان المفاوض يعتقد ان أمريكا بكل جبروتها وسيطا نزيها سيعمل الإيفاء بعهودها بإقامة دولة فلسطينية على أراضى 1967م ( واذا بصاحب الوعود بوش الابن يترك منصبه دون ان يفى بحرف واحد مما قاله – واليوم خليفته اوباما يكرر نفس الوعود مع بعض التعديلات التى تتواءم وتتفق مع الرؤية الصهيونية ولا نظن انه قادر على الايفاء بحرف مما قاله وهو على أبواب انتخابات الرئاسة للتجديد له بفترة رئاسية آخرى ) أذن على ابو مازن أن يدرك ويعترف بأنه لا خيار أمامه اليوم سوى ورقة الضغط الحقيقية ( فصائل المقاومة ) وانه لا يمكن له ان يحقق أى انجاز على الأرض إلا بتحالفه ليس مع حماس وحدها بل مع كل الفصائل المقاومة المسلحة ، لانها هى ورقة الضغط الحقيقية على المحتل ، وان دور الدول العربية المعتلة لابد ان يتغير وفقا للمتغيرات الجديدة التى فرضتها الثورات العربية على واقعنا وحاضرنا من دور تابع لمبارك وأهوائه الصهيونية الى دور فاعل وداعم لخيار الشعب الفلسطينى بعد سقوط مبارك ، وعلى ابو مازن وفريقه المفاوض ان يخضع نفسه ومن معه ( ان كان بالفعل صادق فى نواياه ) لمحاسبة شعبه ، بل لمحاسبة الشعوب العربية من المحيط الى الخليج ، وان يتعلم فضح أى نظام عربى يتواطىء مع العدو ويقف فى وجه الحقوق الفلسطينية المشروعة ، فزمن التواطؤ ولى وعلى الكل ان يتحمل مسؤولياته تجاه فلسطين وشعبها سواء حكومات او شعوب لأن فلسطين تستحق ان يبذل من أجلها الغالى والرخيص، والتغييرالحقيقى فى نظرى ليس بتغيير المواقف وفقا لمعطيات الواقع فحسب بل بتغيير الرؤية الحقيقية لنظرية الأمن القومى العربى كمنظومة شاملة لن تستقيم إلا بتحرير فلسطين وكسر شوكة العدو الصهيونى وأتباعه وإقتلاع جذور شره من الأرض العربية .. هذا هو التغيير الحقيقى .. والمصالحة الفلسطينية ووحدة الشعب الفلسطينى لابد ان تبنى على هذا الأساس لا على أساس شعارات أكل حروفها الدهر وشرب كشعار السلام المزعوم ، ولتكن المصالحة أول خطوة فى طريق تحقيق الهدف ، الخطوة التى أربكت العدو الصهيونى وجعلته يخير ابومازن بين السلام مع اسرائيل وبين حماس .. وكأن السلام معها كان واقعا يعيشه الشعب الفلسطينى .. فليبتلعوا شعارهم فى أفواهمهم ويشربوا بعده من ماء بحر غزة ان أرادوا .. فالكيان الصهيونى ينتظر مصيره خاصة بعد الضربات المتتالية التى تلقاها على أم رأسه .. ضربة سقوط مبارك ، وضربة تفجيرأنابيب الغاز الطبيعى ، وضربة المصالحة الوطنية بين فتح وحماس .. ثم الضربة القاضية التى ستأتيه بإذن الله من حيث لا يحتسب .. ربما من انتفاضة الشعوب العربية من المحيط للخليج تطالب برحيل الإحتلال الصهيونى ، وربما من السماء تزلزل أركانه بحق دعوات كل المظلومين الذين شردوا على يد عصابات المحتل الصهيونى الغاصب ، وبحق كل الدماء التى أريقت على أرض فلسطين ، وبحق أشلاء الجثث التى تناثرت بفعل الآلة الصهيونية الغاشمة ، وبحق دعوات الآمهات اللائى حرمن من فلذات أكبادهن فى سجون المحتل ومعتقلاته ... اللهم آمين. وفاء اسماعيل