مع عزل الجيش بمشاركة قوى سياسية ودينية الرئيس السابق محمد مرسي في الثالث من يوليو الماضي، قال المرشح الرئاسي المشير عبدالفتاح السيسي، الذي كان يشغل حينها منصب وزير الدفاع، إنه فعل ذلك حفاظًا على كيان "الدولة" المصرية. وفي الخطوات التالية لعملية العزل، ذهب المرشح الرئاسي في لقاء جمعه بضباط وجنود القوات المسلحة إلى أن قرار فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة منتصف شهر أغسطس الماضي كان لنفس الهدف أيضًا. وقال في اللقاء الذي جاء بعد أيام من فض الاعتصامين، وبث التليفزيون المصري لقطات منه: " القوات المسلحة وقوات الشرطة المصرية ستظلان أمناء على حماية الدولة المصرية وحماية حق الشعب في اختيار حكامه"، مشيرا إلى "أنهما لم يخونوا ولم يغدروا بأحد وحذروا مرارا وتكرارا الرئيس السابق محمد مرسي من خطورة الوضع". ولم يختلف الحال كثيرا في الحوارات التليفزيونية للسيسي، ففي حواره مع قناة "سكاي نيوز عربية" الذي تم بثه يومي الأحد والاثنين 11-12 مايو، كان نفس المفهوم حاضرا، وقال خلال الحوار: "ما أخاف منه أن تصل البلد لحالة فوضى، وهذا يحتاج إلى دعم وتعضيد الشرطة حتى تستعيد حالة الأمن". وفي حواره الأول مع الإعلاميين لميس الحديدي وإبراهيم عيسى في 5 مايو الجاري، توسع " السيسي" في استخدام نفس المفهوم، وهو ما يؤسس لما سماه خبراء ب "خطاب الدولتية". و"خطاب الدولتية" كما يعرفه أساتذة العلوم السياسية، هو استحضار الأخطار التي تحيط بالدولة كمبرر لكل الخطوات التي يتم اتخاذها، وهو مضاد لخطاب "الأناركية" أو "الفوضوية". وبينما استدعى السيسي هذا الخطاب على فترات في التصريحات التي نقلت عنه بعد عزل مرسي، كان هذا الخطاب حاضرا وبكثافة في لقاءه مع الإعلاميين لميس الحديدي وإبراهيم عيسى. السيسي كرر في اللقاء ما سبق وذكره من أن عزل مرسي كان بهدف الحفاظ على الدولة المصرية، وزاد على ذلك بالتأكيد على أن صدور قانون "التظاهر" المثير للجدل، كان لنفس الهدف. ويواجه قانون التظاهر، الصادر في نوفمبر الماضي، انتقادات واسعة حيث يرى منتقدوه أنه يقيد الحريات، بينما تقول السلطات إنها ينظم عملية التظاهر ولا يقيدها. وينص القانون على ضرورة الحصول على ترخيص مسبق من وزارة الداخلية قبل التظاهر، ويفرض عقوبات على المخالفين تصل إلى السجن والغرامة، كما يتيح لقوات الشرطة التدرج في استخدام القوة لفض التظاهرات المخالفة.
وقال السيسي خلال الحوار: "التظاهر غير المسؤول هيوقع مصر"، مضيفًا: "الأمر في مصر لن يستقيم بحالة الفوضى بالشكل اللي كانت موجودة فيه، وقانون التظاهر إحدى أدوات ضبطه، وهو آلية قانونية لضبط التظاهر وليست لمنع التظاهر". وحضر نفس المفهوم - أيضا- عندما سأل السيسي عن أسباب إقدامه على الترشح، قائلا: "التحديات التي تواجه مصر كانت تستلزم على كل وطنى مسئول التقدم للترشح للحفاظ على الدولة". وشدد على نفس المفهوم عندما سأل في الحوار عن المبرر الذي دعاه للتدخل وعزل مرسي، فقال: "عندما شعرت أن البلد تضيع". ويتماشى "خطاب الدولتية" مع ما يسوقه أنصاره من أنه "رجل دولة"، أي رجل لديه إدراك بكل مفاصل الدولة المصرية، وهو ما حرص الرجل على إظهاره خلال الحوار ، فتحدث كثيرا عن الدور الذي يمكن أن تلعبه الدولة في حل المشاكل الحياتية للمواطنين، حتى لا يتركوا "فريسة" للقطاع الخاص. ويعزو سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي بعدد من الجامعات المصرية، استخدام السيسي لهذا الخطاب، إلى إدراكه طبيعة الشعب المصري الذي يميل بدوره نحو الاستقرار. وقال صادق في تصريح إلى وكالة "الأناضول"، إن "المصريين بطبيعتهم شعب يميل إلى الاستقرار، وهو ما يجعلهم شديدي الحساسية تجاه أي بوادر تهدد كيان الدولة، وهو ما لم تدركه جماعة الإخوان المسلمين، بدليل استخدام مرسي في أول كلمة يوجهها للشعب المصري خطاب (الأهل والعشيرة)، الذي أقلق المصريين". وتابع: "الذين شاركوا في تظاهرات 30 يونيو 2013 ومن بعدها 3 يوليو (التي استند إليها الجيش في عزل مرسي)، ثم استجابوا بعد ذلك لدعوة السيسي للنزول إلى الميادين لتفويضه بمحاربة الإرهاب (مظاهرات 26 يوليو 2013 )، إنما فعلوا ذلك استجابة لخطاب (الدولتية) الذي يستخدمه الرجل". و"يمثل السيسي بالنسبة للإنسان المصري البسيط الشخص الذي يجسد مفهوم الدولة المصرية العريقة، التي عاش في كنفها وأحس بالأمان في ظلها، منذ نزل إلى ضفاف النيل وعاش في واديها الضيق، وعندما أحس المصري بخطورة تهدد هذا الكيان هرع سريعا إلى من يقدم نفسه على أن لديه القدرة على حمايتها"، بحسب صادق. ويعد المصريون من أوائل شعوب العالم التي عرفت مفهوم الدولة، وفق دراسة أجرتها جامعة أوكسفورد البريطانية، بعد دراسة عدة حقبات في التاريخ المصري القديم. وتقول الدراسة التي نشرت في سبتمبر من العام الماضي، إن المجتمع الإقليمي الزراعي الذي كان موجوداً على أرض مصر قبل 4000 عام من الميلاد، تحول فى غضون بضع مئات من السنين ( خلال 300 أو 400 سنة) إلى دولة يحكمها ملك واحد .. بخلاف ما كان سائداً فى اعتقادات العلماء أن الدولة فى مصر استغرق تكوينها آلاف السنين، حتى وصلت إلى حُكم الفراعنة. وبخلاف هذا البعد التاريخي الذي يعضد من ارتباط المصريين بخطاب " الدولتية "، يؤكد أستاذ علم الاجتماع السياسي أن الأحداث التي تحيط بمصر سواء في سوريا أو ليبيا ساعدت على ذلك. وأوضح أن "تلك الأحداث أكدت لدى المصريين أن خيارهم بالانحياز لمن يحمي الدولة ويحافظ على كيانها كان صحيحا، وهو ما تكشفه استطلاعات للرأي العام تظهر شعبية جارفة للسيسي لاسيما في المناطق التي يعيش فيها البسطاء، وذلك على الرغم من وجود مشاكل حياتية مثل الانقطاع المتكرر للكهرباء". وأظهر استطلاع رأي أعده مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية ونشر نتائجه في 4 مايو الجاري، ارتفاعًا ملحوظًا في نسبة المؤيدين للمرشح الرئاسي عبدالفتاح السيسي، بواقع 13% خلال الأسبوعين الماضيين، حيث ارتفعت النسبة المؤيدة له إلى 84%، بعد أن كانت 71% في منصف الشهر الماضي، وذلك على الرغم من تحرك منافسه السياسي البارز حمدين صباحي بشكل أكبر في جولات بالمحافظات المصرية. وهو ما أرجعته داليا زيادة المدير التنفيذي للمركز في تصريحات صحفية إلى "المناخ العام السائد في البلد". وقالت إن "الناخب في مصر لن يعتمد اختياره فقط على البرنامج الانتخابي أو الكاريزما السياسية لأي من المرشحين، كما هو الحال في الديمقراطيات المستقرة، ولكن هناك أمور أخرى تتدخل في الاختيار من بينها المناخ السياسي السائد في المجتمع". ولا ينكر مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، حضور "الدولتية" لدى السيسي في خطابه، لكنه يرى ضرورة وجود ما يدعم هذا الخطاب. وقال غباشي: "صحيح أن الناس التي نزلت في 30 يونيو كانت تشعر بخطر يتهدد الدولة، لكنها - أيضا - نزلت بدافع الحلم والأمل المفقود". وأضاف أن "المواطنين يحتاجون إلى من ينعش هذا الأمل بخطوات ملموسة عبر برامج تنموية واقتصادية تحسن من أحوالهم الاقتصادية، وإلا لن يصمد خطاب الدولتية كثيرا". ويختلف الدكتور محمد حسين، الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، مع الرأي السابق، مستشهدا بواقعة من التاريخ المصري الحديث إبان عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وقال حسين: "عبد الناصر بعد نكسة يونيو 1967 (احتلال إسرائيل شبه جزيرة سيناء) خرج إلى الجماهير معلنا تنحيه عن السلطة، ولكن الجماهير التي استشعرت الخطر على كيان الدولة خرجت مطالبة إياه بالاستمرار دون أن يكون ذلك مرتبطا بأي مطالب". ويلعب السيسي على نفس هذا الوتر لدى المصريين عبر "خطاب الدولتية"، وهو خطاب فعال، بغض النظر عن مضمون ما به، إن كان صادقًا أو كاذبًا، بحسب حسين. وأضاف: "إذا صدق الناس هذا الخطاب وتفاعلوا معه سينجح السيسي في تحييد المشاكل الاقتصادية جانبا، لأن المواطن الذي يشعر بالخطر على كيان دولته، سيقف خلف من يساعده على زوال هذا الخطر، ولن يطالبه بأي مطالب اقتصادية .. أما إذا لم يصدقه الناس سينفضوا من حوله". من جانبه، وصف الدكتور محمد محسوب، وزير الشئون القانونية والنيابية المستقيل، إبان عهد الرئيس السابق محمد مرسي هذا الخطاب بأنه "تخويفي".
وقال في تدوينه كتبها عبر صفحته الرسمية "فيس بوك": "هو يكشف عن ضعف في التصور واعتماد على تخويف الناس لا توعيتهم".