هاجم ناصر أمين، مدير المركز العربي لاستقلال القضاء، وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، القضاء المصري، قائلاً إنه "ليس مستقلاً"، وإنه "بقي على ما كان عليه في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك"، في سياق تعليقه على المحاكمة الجماعية لمئات المتهمين من جماعة "الإخوان المسلمين". وتبت محكمة بمدينة المنيا غدًا الاثنين في قضية جماعية ضد 683 متهمًا، من بينهم المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع. ومن بين التهم الموجهة إليهم التحريض على العنف وتخريب منشآت عامة وخاصة والقتل. ومن المقرر أيضًا أن تعيد نفس المحكمة في اليوم ذاته النظر في قضية المتهمين ال528 والذين كان قد صرت بحقهم أحكام بالإعدام نهاية الشهر الماضي، بعد يومين فقط من المداولات. وأضاف أمين، في تصريحات إلى موقع الإذاعة الألمانية: "مصر شهدت تغيرات جذرية في السنوات الثلاث الأخيرة. لكن الجهاز القضائي بقي على ما كان عليه في عهد مبارك، وحتى المناصب ما زال يشغلها نفس الأشخاص"، ما لا يعني بالضرورة الولاء الكامل لنظام مبارك". وبالإضافة إلى أنه مدير المركز العربي لاستقلال القضاء، فإن المحامي ناصر أمين عضو في هيئة الدفاع عن نشطاء سياسيين معروفين معتقلين، كأحمد دومة مثلاً، ومعرفته بالقضاء المصري لا تقتصر على ذلك أو على بحوثه داخل المركز فحسب، بل وتمتد إلى تعرضه للاعتقال في نهاية الثمانينيات، قبل أن تبرأه محكمة في القاهرة من التهم الموجهة إليه. ورغم اقتناعه بعدم استقلالية الجهاز القضائي المصري في الوقت الحالي، يشير أمين إلى أن "هناك قضاة يعملون بشكل مستقل". فإلى جانب القوانين الموجودة، يؤثر كل من المستوى الثقافي والقناعات السياسية والدينية للقاضي على الحكم الذي ينطق به. لذلك، وحسب أمين "نجد في مصر أحكامًا مختلفة تمامًا رغم تشابه الحالات ونوعية المحاكم التي صدرت فيها". مجال الحرية هذا لدى القضاة يسميه أمين ب"الاستقلال الفردي للقاضي" ويرجعه إلى تقاليد النظام القضائي في مصر والمكانة الاجتماعية التي تحظى بها المهنة. ويتابع أمين بالقول: "مبارك استطاع أن يخترق كل دوائر الدولة لكنه لم ينجح تمامًا مع القضاة ... لذا اضطر لإحالة القضايا ضد خصومه السياسيين إلى المحاكم العسكرية حتى يضمن صدور أحكام تناسبه". وبحسب مدير المركز العربي لاستقلال القضاء، فقد شكل استعمال نظام مبارك المبالغ فيه للمحاكم العسكرية في قضايا ضد المعارضين أحد الأسباب التي أدت إلى سقوطه. أحد الأمثلة السلبية لاستقلالية القاضي الفردية في نظر أمين هو حكم الإعدام الذي صدر في حق أكثر من خمسمائة شخص في المنيا الشهر الماضي، ما شكل صدمة حتى داخل الأوساط القضائية المصرية. ويقول أمين: "بعد الثورة حدثت بلبلة في استيعاب المهام بمصر. فهناك قضاة اعتقدوا أن من واجبهم الحفاظ على الأمن في البلاد فينطقون بأحكام كهذه. وهناك رجال شرطة يعتقدون أن من واجبهم تحقيق العدالة ما قد يجعلهم يقتلون شخصًا في الشارع لاشتباههم في قتله شخصًا آخر". لكن القضاة لا يمثلون سوى جزء من النظام القضائي وهم لا يبدأون عملهم إلا إذا كانت هناك قضية. رفع القضايا يدخل ضمن اختصاصات الادعاء العام، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الجماعية أو القضايا السياسية. وهنا يكمن الخلل في النظام القضائي المصري، الذي تستغله السلطة للتخلص من معارضيها، كما يرى ناصر أمين. ويوضح ذلك بالقول: "النائب العام يتبع مباشرة لوزير العدل" وبالتالي للحكومة. أما ممثلو السلطة القضائية في مصر فهم لا يدلون بتصاريح منتظمة للصحافة حتى يتمكن الرأي العام من رؤية هذه السلطة بشكل أوضح أو استيعاب خلفيات القضايا والمحاكمات. ويبقى ناصر أمين متأكدًا من أن أغلب المتهمين في القضايا الجماعية سيحكم عليهم بالبراءة في النهاية، وعلى أبعد تقدير عندما تصل قضاياهم إلى محكمة النقض، التي ينظر فيها تسعة قضاة في القضية وليس كما هو الحال في محاكم الجنايات، التي يجلس فيها ثلاثة قضاة فقط. ويقول أمين إنه "لأقرب من المستحيل إقناع كل القضاة التسعة بدلائل الاتهام".