بشرى لطلاب الثانوية العامة.. مكتبة مصر العامة ببنها تفتح أبوابها خلال انقطاع الكهرباء (تفاصيل)    تنسيق المدارس الفنية التجارية 2024.. بعد الشهادة الإعدادية    وزير الرى يدشن فى جنوب السودان مشروع أعمال التطهيرات بمجرى بحر الغزال    فاشل وكاذب .. الموقف المصري : عطش مطروح يكشف تدليس السيسي عن تحلية المياه    صندوق النقد الدولي يقر بتمويل 12.8 مليون دولار للرأس الأخضر    عضو المجلس التصديري للصناعات الغذائية : مستوردون من أمريكا أعلنوا نيتهم استيراد التمور المصرية    الرئيس السيسي يوقع قوانين بربط الحساب الختامي لموازنة عدد من الهيئات والصناديق    إعلام إسرائيلى: عائلات المحتجزين يتظاهرون وسط تل أبيب اعتراضا على نتنياهو    رونالدو أصبح أول لاعب أوروبي يشارك فى 50 مباراة فى البطولات الكبرى    عضو في حزب «بايدن»: الرئيس الأمريكي سيركز على قضايا «ترامب» الجنائية وخطابه المناهض للديمقراطية (حوار)    ماعت تناقش مدى التزام الدول العربية بخطة عمل الأمم المتحدة بشأن الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة    لماذا يقلق الغرب من شراكة روسيا مع كوريا الشمالية؟ أستاذ أمن قومي يوضح    هلوزيك ضد أردا جولر.. تشكيلتي التشيك وتركيا في يورو 2024    ثلاثي مصري في نهائي فردي الناشئات ببطولة العالم للخماسي الحديث بالإسكندرية    مصرع شاب غرقا في المنوفية والحر المتهم الأول    بعد إصابة أم وطفليها.. التحقيق في حريق برج سكني ببني سويف    نتيجة الطلاب المصريين بالخارج لجميع صفوف النقل .. ظهرت الآن    ولاد رزق 3 يواصل تحطيم الأرقام ويحقق مبلغا خرافيا في شباك التذاكر    سعد الصغير يغني لعبد الحليم حافظ مع بودة اللليثي    «يا أصحابي طلعتوا عيرة ملكوش غير سيرتي سيرة».. طرح أغنية «يا دمعي» ل رامي جمال    «قطاع الآثار»: فيديو قصر البارون عار تمامًا من الصحة    أزمة جديدة تواجه شيرين عبد الوهاب بعد تسريب 'كل الحاجات'    قافلة طبية شاملة مجانية بقرية الحراجية في قنا    كيف يؤثر ارتفاع درجات الحرارة على الرحلات الجوية؟.. عطَّل آلاف الطائرات    نجاح كبير للشركة المتحدة فى الدراما.. 125 عملا بمشاركة 12 ألف فنان و23 ألف عامل "فيديو"    خالد الجندي: الترفيه مش حرام ولكن يُحرم حال مخالفة الضوابط الشرعية    مساعد وزير البيئة: حجم المخلفات المنزلية يبلغ نحو 25 مليون طن سنويا    بتكلفة 250 مليون جنيه.. رئيس جامعة القاهرة يفتتح تطوير مستشفي أبو الريش المنيرة ضمن مشروع تطوير قصر العيني    برشلونة يضع شرطًا وحيدًا لرحيل أنسو فاتي    خبير شئون دولية: فرنسا الابن البكر للكنيسة الكاثوليكية    ضيافة مجانية.. كنيسة ومطعم وقاعة أفراح تعلن فتح أبوابها لطلاب الثانوية بالمنوفية    «مياه كفر الشيخ» تعلن فتح باب التدريب الصيفي لطلاب الجامعات والمعاهد    أمين الفتوى: الغش فى الامتحانات معصية لله.. فيديو    المشدد 15 سنة لصاحب مستودع لاتهامه بقتل شخص بسبب مشادة كلامية فى سوهاج    الإفتاء: المصيف مثل الصلاة لهما خصوصية    كيف يؤدي المريض الصلاة؟    17 ميدالية حصيلة منتخب مصر في كأس العالم لرفع الأثقال البارالمبي    اخوات للأبد.. المصري والإسماعيلي يرفعان شعار الروح الرياضية قبل ديربي القناة    القوات المسلحة تنظم مؤتمرا طبيا بعنوان «اليوم العلمي للجينوم»    «التمريض»: «محمود» تترأس اجتماع لجنة التدريب بالبورد العربي (تفاصيل)    نجم ميلان الإيطالي يرفض عرض الهلال السعودي ويتمسك بالبقاء في أوروبا    وزيرة البيئة تتابع حادث شحوط مركب سفاري بمرسى علم    عرض رسمي.. نادِ سعودي يفتح مفاوضات ضم أليو ديانج    الصحة: استجابة 700 مدمن للعلاج باستخدام برنامج العلاج ببدائل الأفيونات    شديد الحرارة رطب نهارًا.. الأرصاد تكشف عن حالة الطقس غدا الخميس    لجنة القيد بالبورصة توافق على الشطب الإجبارى لشركة جينيال تورز    الإعدام لثلاثة متهمين بقتل شخص لسرقته بالإكراه في سوهاج    تعيين 4 أعضاء جدد في غرفة السلع والعاديات السياحية    ختام دورة "فلتتأصل فينا" للآباء الكهنة بمعهد الرعاية    فحص 764 مواطنا فى قافلة طبية مجانية بقرى بنجر السكر غرب الإسكندرية    هل يجوز الرجوع بعد الطلاق الثالث دون محلل؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    الأكاديمية الطبية تفتح باب التسجيل في برامج الماجستير والدكتوراة بالمعاهد العسكرية    الإفتاء توضح حكم زكاة المال الخاصة بشركة تجارية وكيفية إخراجها    احتفالات 30 يونيو.. باقة من الأغنيات الوطنية تستقبل جمهور «الإنتاج الثقافي»    وزير التعليم يتفقد امتحانات الثانوية بمدرسة المتفوقين للعلوم والتكنولوجيا    الجريدة الكويتية: هجمات من شتى الاتجاهات على إسرائيل إذا شنت حربا شاملة على حزب الله    المحامين تضع شروط جديدة لقبول القيد بها.. تعرف عليها    نجم الزمالك السابق: الدوري «بايظ» والتحكيم فاشل.. وقرار الانسحاب أمام الأهلي «غلط»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأملات في مشهد محاسبة مبارك-خليل العناني
نشر في المصريون يوم 20 - 04 - 2011

لو علم الرئيس المصري السابق حسني مبارك أن مصيره ومصير أبنائه سوف يكون كما هو عليه الآن لما ترك السلطة، ولقاتل حتى آخر نفس في صدره، ولو أُبيد الثوّار في ميدان التحرير واحترقت القاهرة بأكملها. ولكن هذا هو منطق الثورات الكبرى التي تباغتك بما ظننته يوماً خيالاً فتحوّله حقيقة ولا عزاء للحالمين. فهل توّقع لويس السادس عشر ملك فرنسا وزوجته ماري أنطوانيت أن تكون نهايتهما على مقصلة باريس الشهيرة؟ وهل توّقع الرئيس الروماني السابق نيكولاي تشاوشيسكو وزوجته إيلينا بيتريسكو أن تكون نهايتهما الإعدام رمياً بالرصاص في قلب العاصمة بوخارست؟ والأمثلة في هذا المقام كثيرة لعل أقربها إلينا ما حدث مع صدام حسين قبل خمس سنوات.قطعاً ثمة فوارق كبيرة بين ما حدث في هذه الحالات وما قد يحدث في الحالة المصرية، فالمسألة لا تتعلق بمجرد الانتقام من رموز سياسية لم تستحِ يوماً من ممارسة الفساد بكافة أشكاله ودرجاته، ولم يردعها أي حس أخلاقي أو إنساني تجاه مجتمع كانت تنظر إليه باعتباره مجرد «غنيمة» يجب افتراسها، وإنما بإعادة الاعتبار لحكم القانون وقدسيته التي انتُهكت طيلة العقود الثلاثة الماضية. في حين تعكس رمزية المشهد ودلالاته السياسية والسيكولوجية حجم التغيير الذي جاءت به الثورة المصرية. وهو مشهد سوف تختزنه الذاكرة المصرية وربما العربية لأجيال، ليس فقط كونها المرة الأولى التي يتم فيها إلقاء القبض على رئيس سابق وربما إدانته لاحقاً وذلك بعد أقل من شهرين من تركه لمنصبه، وإنما أيضاً كونها ترسخ قيمة العدالة التي كانت على رأس مطالب الثورة المصرية، ما يعني أن قيم الثورة ومبادئها قد بدأت فعلياً بالتحقق.
وقد كان منطقياً أن يصاب كثيرون بالدهشة من قرار النائب العام المصري بحبس مبارك وولديه، فالعقلية العربية أدمنت تمجيد الزعماء واعتبرتهم فوق القانون وأسبغت عليهم هالات التبجيل والحصانة حتى بعدما انكشفت جرائمهم ومظالمهم التي ارتكبوها في حق الشعوب. وقد وصل الخيال بالبعض إلى حد اعتبار هذا القرار مجرد «تمثيلية» بين مبارك و «المجلس الأعلى للقوات المسلحة» الذي يدير البلاد الآن، وذلك من أجل امتصاص الغضب الشعبي الذي وصل إلى ذروته فيما أُطلق عليه «جمعة المحاكمة والتطهير» التي احتشد فيها ما يقرب من حوالى مليوني مصري يطالبون بمحاكمة مبارك وذلك قبل أيام قليلة من صدور القرار. وإلى الآن لا يصدق كثير من العرب أن مبارك نزيل أحد المستشفيات المصرية ويجري التحقيق معه في شأن الاتهامات الموجهة إليه، بل وذهب بعضهم أبعد من ذلك حين راهن على احتمال حدوث عفو صحي عن مبارك بسبب ظروفه المرضية.
من حق البعض أن يتعاطف مع مبارك إنسانياً بسبب ظروفه المرضية والعمْرية، ولكن ليس من حق أحد أن يفرض وصايته على الشعب المصري وأن يطالب بعدم التحقيق مع مبارك أو محاكمته على ما اقترفت يداه طيلة ثلاثين عاماً. دعْك من ملايين الجنيهات التي نُهبت من مصر طيلة السنوات الماضية، ودعْك من انتهاكات حقوق الإنسان التي وصلت في عهد مبارك إلى مستويات لا يتخيلها عقل، ودعْك أيضاً من إفساد الحياة السياسية عمداً، وتذكّر فقط شهداء وجرحى الثورة المصرية الذين خرجوا للمطالبة بحقوقهم المشروعة سلمياً، فكان الرصاص هو الرد الوحيد على مطالبهم تماماً مثلما يحدث الآن في ليبيا وسورية واليمن.
وقد كان من المدهش أن يصرّ مبارك على استفزاز المصريين حتى بعد رحيله عن السلطة، وأن يسعى عامداً إلى حرق كل «مراكبه» معهم من خلال رسالته الصوتية التي حاول فيها تبرئة نفسه من تهم الفساد والاستيلاء على المال العام. فقد جاء خطابه متغطرساً لغة ومضموناً، على رغم أنه كان يحاول استجداء كثيرين من أجل الوقوف بجانبه في ما يخص تلك التهم. ولكنه من حيث لا يدري فقد جاء خطابه بأثر عكسي حيث أصرّ معظم المصريين على ضرورة محاكمة مبارك ليس فقط عن أمواله وذمته المالية وإنما أيضاً عن جرائم قتل المتظاهرين أثناء الثورة المصرية. وقد استدعى الخطاب مخزون الإحساس بالمظلومية السياسية والاقتصادية لدى قطاعات واسعة من المصريين، فزادت حدة المطالبة بضرورة التحقيق مع مبارك. من جهة أخرى كان الخطاب محرجاً للمجلس العسكري الذي يحكم البلاد في الوقت الراهن، والذي لم يجد أمامه من سبيل سوى قطع «شعرة معاوية» مع مبارك وإحالته إلى القضاء المدني كي يحدد مصيره. في حين أثبت قرار حبس مبارك وإحالته للتحقيق أن كل ما قيل من قبل عن وجود صفقة ضمنية بينه وبين المجلس العسكري يتنازل بمقتضاها عن الحكم مقابل عدم محاكمته كان مجرد تخمينات لا تسندها أية وقائع.محاسبة مبارك وإن أحيت مبدأ المساواة في تطبيق القانون وذلك بمعاملته باعتباره مواطناً عادياً، فإنها لا تخلو من دلالات سياسية ليس أقلها نهاية «أسطورة» الرئيس الذي لا يُحاسب على أفعاله. وهي أسطورة لا تزال موجودة في أكثر من بلد عربي، بخاصة تلك التي لا يزال انتقاد الزعماء فيها خطاً أحمر لا يجوز الاقتراب منه إشارة أو تلميحاً. من جهة ثانية، فإن من شأن هذه المحاسبة أن تسقط حاجزاً نفسياً كبيراً شيّدته أنظمة القمع والطغيان بين المواطنين والسلطة باعتبارها مصدر كل الشرور، ما كان يدفع بالكثيرين الى ضرورة تجنبها والبعد عنها. وقد وصل هذا الحاجز النفسي الى مداه حين اقتنع قطاع من المصريين البسطاء بمعقولية توريث السلطة من مبارك لابنه جمال باعتباره «أخف الضررين». ومن جهة ثالثة، فإن محاسبة مبارك تعكس في مكنونها محاسبة ضمنية لكثير من المصريين الذين استمرأوا فساد السلطة وصمتوا عليها عقوداً من دون أن يحركوا ساكناً لإنهاء التسلط الذي مارسه مبارك ورجاله، وذلك على رغم هشاشة نظامهم السياسي الذي سقط في أقل من ثلاثة أسابيع كما أوضحت الثورة المصرية.
ومن جهة أخيرة فإن محاسبة مبارك سوف تعيد رسم العلاقة بين الحاكم والمحكوم في مصر من جديد. أو بالأحرى سوف تعيد كتابة العقد الاجتماعي بين المواطنين والسلطة ليس باعتبارهم مجرد رعايا تحت وصايتها، وإنما باعتبارهم مواطنين لهم كافة الحقوق تماماً مثلما لدى صاحب السلطة. ومن شأن ذلك أن يرسي مبدأ المسؤولية والمحاسبة باعتباره الوجه الآخر لامتلاك السلطة. وهو ما سوف يمثل درساً بليغاً لأي رئيس مصري قادم قد تسوّل له أحلامه أن يعيد إنتاج نفس منظومة الفساد والاستبداد التي سادت في عهد مبارك.
نقلا عن صحيفة الحياة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.