كان الفرعون 'تحتمس الثالث' يستخدم ذكور الخيول في المعركة لقوة تحملها، ولما فطن أعداؤه إليه سلطوا فرسا أنثى تلعب بحمحمات ذكر الخيل فتسرق لها لبها وتزعزع ثبات فرسانها على ظهورها، لكن 'تحتمس' انتبه لما يمكرون فانقض على الفرس قبل دخولها الميدان وعقر بطنها ضامنا بذلك صمود أحصنته. أتذكر هذه القصة التاريخية في الوقت الذي تستخدم العربية فيه خطاب مبارك كخيل 'الجنس الرقيق' تماما، وهو سبق إعلامي لا يمكن رده على علاته التي تشحن عزيمة الثورة المضادة، لكن السؤال يفرض نفسه مع معيار الكيل بمكيالين، ففواصل القناة تبث 'مقاطع من خطاب مبارك يتحدث فيه عن خدمة الشعب'، في وقت تبث فيه للقذافي تهديداته بقتل الليبيين، فهل مبارك نظيف اليد واللسان، وما الثورة سوى جنحة بل قل جناية تعطيه الحق بتهديد ومقاضاة المسؤولين عن تلويث سمعته؟ متى لا يكون الإعلام إذن ساحة للتبرئة أو منصة للمحاكمة؟ قد تتحول القنوات الإعلامية إلى مجرد منفضة غبار عن بدلات الرؤساء المخلوعين، أو ربما مركز 'dry clean' لسمعة مبارك، الذي ترفض وتعف الآن حتى القنوات المصرية - التي رباها على يديه عن القيام بهذه المهمة! فكيف نشاهد العربية، في هذا السبق، ونحن نجزم بأن الخطاب خدعة حرب، بما أن الثورة لم تقطف ثمارها بعد وتواجه أزمة الخطر مع فلول النظام؟ ربما كانت العربية تمهد لحملة دعاية مضادة لانتخابات ايلول/سبتمبر، فتقوم بدور وزير الدعاية الألماني جوزيف جوبلز الذي أوصل الحزب النازي وهتلر للرئاسة، حاصدا أعلى الأصوات بعد الحرب العالمية الأولى! لم يختر مبارك العربية عبثا، فالمناوي رحمه الله إلى زوال، وشلة حسب الله: 'تامر أمين وخيري رمضان' على باب الله، وما تلك الدعاية الإعلامية السوداء حسب الطريقة الاستعمارية التي تشكل أخطر أنواع الدعاية - سوى تكتيك لعين يضاهي التكتيك الاستراتيجي لفقه الأبوة الذي اتبعه مبارك المخلوع مع شعبه في إعلام مصر المحلي لأكثر من ثلاثين سنة. إذن هي الحرب النفسية على الثورات العربية يشنها الإعلام، فيفعل فعلة الطائرات المعادية التي توزع منشورات وما أدراك ما المنشورات على المواطنين فتقلب المعركة قبل بدئها لصالحها، وكأني بلسان حاله يرغِّبُ أكثر مما يُرَهِّبُ على طريقة نابليون، الذي أتى يجر حملته لمصر 1798-1801 ودعايته تسبقه بأنه رجل مسلم غيور نهض لحماية المصريين من طغيان المماليك، وتبّا للدعاية. مبارك من أب غير شرعي إلى عراب إنها السقطة الإعلامية الأكبر في تاريخ الإعلام منذ ولدته أمهاته 'الأطباق الفضائية' وقد دخلت مصر المرحلة الأخطر بعد الثورة وهي تلملم ما تساقط من مخلفات المباركية، في حرب كرها وفرها، وما هذا الخطاب سوى حصان طروادة الذي يشق صفوف الثورة بالقتل الرحيم، لأنه لم يكتمل نموها مادام الرئيس المخلوع لم يزل به رمق إعلامي واحد لتحويل مصر إلى دار عجزة، بعد أن انقلب الشارع على قوانين الأبوة بالإكراه، فأسقط الأب غير الشرعي نصف سقوط، مادام قادرا على التحول بكل خدعة حرب بما فيها تمارضه إلى : عَرّاب الثّورة المضادة، فكيف لا نموت خوفا على الثورة؟ العربية دارا للافتاء ومركز تدليك لم يخطر ببال عاقل أن مبارك أعلن التوبة، لأن أقل شروطها هي الخروج من المظلمة برد المال واسترضاء المظلوم، وهو طبعا إن نفذ الشرط الأول مع استحالته فكيف يرد الشهداء إلى ذويهم؟ الإعلام يصبح دارا للإفتاء، يصدر فتاوى إعلامية يغسل بها آثام الأنظمة غسلا مفبركا، فيغفر الذنوب، ويغيث المخلوع، من دون حتى أن يظفر باعترافه بالندم، كأحد أهم شروط التوبة... اربط الحزام أيها الشارع العربي، فالثورة المضادة تشد حيلها بالفتوى الإعلامية، ورجال الدين 'موضة قديمة' والمخلوعون يلزمهم استجمام إعلامي بعد فترة خلع أصابتهم بالخمول، ولابد من المرور بفترة نقاهة إعلامية، فيا أيها 'المخاليع' زوروا العربية تجدوا ما يسركم! الانتفاضة الفلسطينية الثالثة والفيس بوك تناولت الجزيرة في حصاد الأحد خبر مقاطعة أكثر من ربع مليون ناشط - وفي مصادر أخرى أكثر من 400 ألف - لموقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) كرسالة اعتراض من موقع ال 600 مليون مستخدم على إغلاق صفحة الانتفاضة الفلسطينية الثالثة في ذكرى النكبة الفلسطينية يوم 15-5 .. كان هدف الصفحة الداعية للمقاطعة، كما وضح تقرير عمر غانم، هو اللعب على وتر الدخل الإعلاني للموقع، وكما أراد مؤيدوه فهو بمثابة إنذار أول لإدارة الفيس بوك لحثهاعلى إعادة صفحة الانتفاضة الثالثة المحذوفة، فإن لم يلاقوا آذانا صاغية فإنهم سيلجأون لاستخدام حاجب إعلانات خلال تصفح الموقع.. لن تستغرب وأنت تستمع إلى حيثيات هذا التقرير لتدرك مدى فظاعة الحرب التي تُخاض على صفحات هذا الفيس بوك، فوزير المعلومات الاسرائيلي كان أول من شن حربه الضروس على الصفحة وتوالت الحروب بعد ذلك على صفحات من رحم صفحة الانتفاضة المحذوفة، هنا ساحة المعركة، والشارع العربي الثوري لم يعد مستهلكا أعمى للبضاعة الأمريكية، بل مروضا إليها ومسخرا تماما كما تسخر الدابة لمن يستخدمها، فخلال أقل من شهر تمكنت صفحة الانتفاضة من جذب أكثر من 350 ألف شخص، حتى تصاعدت الضغوط الاسرائيلية على إدارة الفيس بوك وقامت باستثنائها من الموقع بحجة قيامها بعمل تحريضي، ولم تكتف اسرائيل بهذا بل كعادتها كان لابد أن ترد الصاع بمليون دولار طالب بها رئيس مؤسسة يهودية أمريكية بدعوى تأخر الفيس بوك بإغلاق الصفحة! وما أول الحرب إلا قطرة مليون! يعرض التقرير رد الإدارة التي قالت ان إبقاءها على الصفحة انطلاق من دعوة مشتركيها للتظاهر السلمي، فما أن لمست توجههم للعنف الذي ينافي شروط الاستخدام أغلقتها.. وتبقى الحرب دائرة على محورين: الأول: تكفير الذنب الذي تقوم به إدارة الفيس بوك تجاه اللوبي الصهيوني، بشن حرب 'الحذف'، على المحور الثاني: المستخدمون العرب الذين سارعوا لإنشاء صفحة بديلة بعد ساعات من حذف الأولى، فأغلقت هي الآخرى، وقد اتجه أبطال الصمود العرب في حرب الحذف لإنشاء العديد من الصفحات البديلة، بحيث يصبح أسلوب الحذف غير ذي جدوى، كما أصر تقرير الجزيرة واختتم بتساؤل ضروري عن تعريف ما يقع ضمن دائرة حرية التعبيروما يقع خارجها؟ وفوق ذاك كله عمن لديه الحق أصلا في ذلك التعريف والمنع؟ يعثر التقرير على لعبة صناعة حرية التعبير، طالما أنها دائرة مغلقة، هي الفيس بوك، لكن الدرس يصل متأخرا لأن الوعي العربي يسبق كل التكهنات، إنهم أبطال الشوارع، بل مقاتلو الشوارع ضمن بلورة عربية واعية وذكية للمعنى المستلهم من أفلام هوليوود الاستعمارية، التي يسخرها العرب لمصلحة ثوراتهم، الآن تحرك فلسطين كل الشوارع العربية باتجاه الثورة، كأنها ضميرها المستتر تماما كما ذكر الدكتور مازن مصطفى في برنامجه 'رواق المعرفة' الذي تبثه قناة الحوار الفلسطينية في لندن، الضمير المستتر يعلن عن نفسه والثورة هي الفاعل وليس المفعول به، وإعراب الجملة الثورية لا يحتاج أكثر من صفحة فيس بوك، خاصة بعد أن نجح في التصدي لمطوات السواحر في الثورة المصرية، فقلب السحر على الساحر، وقد أعلنها للمرة الأولى أنني دعوت الله وقتها أن يطيل في عمر 'مبارك' حتى تتحقق إرادة الشارع المصري بخلعه قبل إرادة القدر 'بموته'، مما يعزز الثقة، ويشحن العزيمة. جمانة نمور لم تقل الحقيقة في لقاء برنامج 'حديث البلد' على الإم تي في مع جمانة نمور الإعلامية السابقة في الجزيرة، سألتها المقدمة: هل تحسين بحنين الآن لموقعك هذه الأيام، خاصة وأنت تشاهدين الثورات العربية تُبَثّ على الهواء مباشرة'؟ الإجابة جاءت متسرعة وكأنه تم التحضير إليها في الذهن لبديهية السؤال، قالت نمور وبتردد عجز تماما عن ادعاء الصرامة والثقة: ّ'لا' لأنها تفضل أن تكون في موقع المتابعة والمشاهدة، والله لو وضعوا الشمس في يمين نمور والقمر في يسارها لما صدق قلبُها لسانَها، إنها بطولة التغطية الإعلامية.. فإن رفضت بطولة التفاعل الإعلامي مع الشارع فكيف تصدق بطولة المشاهدة؟ لينا ابو بكر شاعرة عربية القدس العربي