من ضمن الفعاليات المهمة في جامعة البحرين والتي ألغيت بسبب الأحداث، كان مؤتمر الإعلام الثاني المقرر عقده (6 - 8) أبريل الجاري. والمفارقة أن عنوان المؤتمر كان عن "ثورة الاتصال الاجتماعي، تشابك وتشارك"، بمشاركة عالمية من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وعدة دول عربية. وهي ثورة أبطالها الفيسبوك والتوتير واليوتيوب وإعلام الموبايل. وكان عقد المؤتمر تحت هذا العنوان مفارقة بحق، خصوصاً عندما نعلم أن هذه الوسائل الاتصالية الإعلامية المعاصرة هي أداة حركة الشعوب العربية في ثوراتها الراهنة، بل في إثباتها أن عهد الإعلام الحكومي في طور التغير والتبدل. في الحدث البحريني الراهن جرى استخدام هذه الوسائل على نطاق تاريخي واسع. والجميع لاحظ أن إعلامنا الجماهيري لم يكن في يد الدولة، بقدر ما كان في يد الجماهير. فالجماهير (المؤيدة والمعارضة) هي التي تسجل الحدث وتبثه وتعلق عليه وتنشره بين الناس على مدار الدقائق لا الساعات. وذلك عن طريق استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي. الجمهور البحريني هو الذي ضغط على الإعلام الحكومي كي يكون على مستوى الحدث الضخم الذي كان يتحدى وجود الدولة ويهدد استقرار المجتمع. الثورة الاتصالية والمعلوماتية جعلت وسائل الإعلام الحكومية هي التي تستقي أخبارها - أو تنفي البعض الآخر منها – من مصادرهي في الحقيقة من أناس عاديين. إذن نحن إزاء تحول كبير. ما عادت الحكومة هي المصدر الوحيد للأخبار. صارت هي المتلقي. وفي حالتنا البحرينية كان التعامل الحكومي متناسباً وإن كان متأخراً بعض الشيئ في التحكم في مسار المعلومة. وأضحت العلاقة التفاعلية في حركة تكامل استفاد منها الإعلام الحكومي في مواكبة الأحداث المتسارعة والضاغطة. ولهذا وجدنا أن الإعلام الحكومي قد استوعب الحدث بسرعة. وصار هذا الإعلام يستخدم ذات الوسائل بالإضافة إلى الوسائل التقليدية من صحف وإذاعة وتلفزيون.. إلى أن استرد زمام المبادرة. عربياً، كانت الصورة أكثر إثباتاً على قوة وسائل الإلام الاجتماعي. فليس ما حدث في تونس ومصر مثلاً إلا إنذاراً مدوياً لانتهاء مرحلة سيطرة الحكومات على الاعلام. فالثورة في مصر بدأت من نداء مجاني على اليوتيوب أطلقته فتاة شابة دعت للتجمهر في ميدان التحرير. لم يكلف النداء شيئاً، لكنه حول شعبا كاملا إلى مارد ضخم أحال السلطة إلى هباء. إنه تحول لا يمكننا استيعابه بعد في تأثير التكنولوجيا الحديثة والإعلام الالكتروني المفتوح على وعي الجماهير. في ذات الحين، كان الإعلام الرسمي في مصر بطيئاً متثاءباً لم يستطع فهم هذا التحول. ولذلك كان تعامله روتينياً وكان سبباً في سقوط النظام. لقد تعاملت السلطة مع الحدث تعاملاً إعلامياً متخلفاً لايتناسب مع انتشار رسائل الجماهير على اليوتيوب والفيسبوك والتوتير. كانت معركة غير متكافئة بين رمح قديم وطائرة نفاثة. ولهذا كانت النتيجة مع صوت الشباب ومع استخدامهم الذكي والبسيط لتكنولوجيا الإعلام وتحقيق مطلبهم الأكبر، وهذا ما تم لهم خلال 18 يوماً. النموذج الليبي الدموي كان له تفكير آخر مستمد من طبيعة النظام. لقد قطع خدمات الانترنت والكهرباء. وقطع بذلك اتصال الغرب الليبي بالعالم ليمارس بعد ذلك مذابحه المروعة. إن الدرس الباهر الذي ظهر في ثورات شعوب مصر وتونس وحالياً في سوريا وليبيا هو أن حدود استخدام الإعلام بات في طور من الصعب على حكومات الوقت الراهن التحكم فيه، ولا حتى مواجهته. خصوصا إذا كانت هذه الحكومات تمارس التسلط في حق من حقوق المواطن وهو حق المعرفة وتبادل المعلومة. فمن يقف إزاء ذلك سيواجه ما واجهته حكومتي مصر وتونس السابقتين من هزيمة وسقوط. كان مؤتمر الإعلام في جامعة البحرين فرصة ثمينة لدراسة هذا التحولات. • أستاذ الإعلام السياسي – جامعة البحرين