تلقيت دعوة كريمة من "مؤتمر القاهرة الدولي الرابع" الذي نظمته "الحملة الدولية ضد الاحتلال الامريكي والصهيوني" ، تحت عنوان "مع المقاومة فى فلسطين والعراق وضد العولمة والإمبريالية والصهيونية" ، وذلك لالقاء كلمة عن تجربة صحيفة "المصريون" باعتبارها من النماذج الناجحة فيما يسمى ب" الاعلام البديل ". النقاش الذي جرى عقب القاء كلمتي ، كان ثريا خاصة بين الشباب الذي لاحظته مبهورا بالتقنيات الجديدة ، وبالحرية التي اتاحها الانترنت في دول لازالت تحكمها هراوات الشرطة ، وثقافة الزنازين والكمائن والتعذيب ومطاردة المعارضة والتضييق عليها . غير اني لاحظت أن ثمة خلطا لدى الشباب خاصة ممن يديرون مدونات على الشبكة الدولية على الانترنت أو مواقع تعمل في مجال نقل الصورة أو الخبر ، بين مفهومي "غرف الدردشة" و" الموقع الصحفي " وبين مفهومي "الكاتب" و"الصحفي" ، وحدود الحرية على الشبكة وما إذا كانت مطلقة أو مقيدة بسقف معين . أجمل ما في النقاش أنه كان بريئا وعفويا في زمن بات فيه كل شئ مثل "نبات الصوبات" مفتعلا .. لاطعم له ولا لون ولا رائحة . استمعت جيدا لكل الشباب خاصة أنهم احاطوني بصفتي رئيسا لتحرير "المصريون" بحب وتقدير كان مفاجئا لي ، إذ لم اتوقع أن يكون ل"المصريون" كل هذا الحضور في وجدان الشباب المصري ، فالقاعة ملئت عن اخرها ، حتى إلى ما بعد بوابتها الرئيسية بأمتار ، فضلا عن النقاش الذي جرى بيني وبينهم عقب انتهاء الندوة خارج القاعة ، والذي امتد إلى ما يقرب من ساعة ! كل من كانوا في القاعة يمثل الجيل الجديد المحب للحرية .. والذي تذوق حلاوتها بالتقنيات الجديدة ، غير انها حرية نبيلة .. نقية طاهرة وضيئة .. لا تعشق الحرية ل"نفسها" ولكن لهدف أكبر وأنبل إنها تعشقها ل"الوطن" الذي لايزال محروما من الطعام والهواء والماء النقي غير الملوث بالمواد المسرطنة . لعل احساسي هذا قد حملني على أن اعقب بعد مداخلات الشباب ، للحديث عن الفارق بين غرف الدردشة والعمل الصحفي ، وعن مفهوم الحرية الاعلامية وحدودها ، خاصة بعد أن لاحظت أن البعض يعتبر أن ميزة الحرية على الانترنت أنها تتيح للمستخدم أن يكتب اي شئ بدون ضوابط أو اسقف ، واعتبروا ذلك حسنة من حسنات هذه الحرية ! وهذا ما ازعجني حقا .. وجعلني أكثر خوفا على اهدار هذا الحماس الجميل للحرية ، في لغة وخطاب غوغائي يفقد اصحابه المصداقية ، وتخسر بذلك قضيته التي يناضل من اجلها الكثير جراء هذه الانفلات الاعلامي غير المقيد بضوابط مهنية أوقيمية . كان الشباب يتحدثون عن الحرية ، وعيونهم متجهة إلى الغرب ، باعتباره التجرية الرائدة في هذا المجال ، وهو ما جعلني أذكرهم بالقضية المثارة حاليا بشأن الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأن الحرية في الغرب مفهوم فضفاض ويكيل بها الغرب عشرات المكاييل ، وأن للحرية الغربية أيضا أسقفا وحدودا ، وضربت بعاصمة التنوير "باريس" مثالا عندما صادرت كتاب الحلال والحرام لفضيلة الدكتور القرضاوي ، ومحاكمة جارودي ومصادرة البث الفضائي لقناة المنار الفضائية ، وحبس فنان يوناني لرسمه كاريكاتيرا اعتبرمسيئا للمسيح عليه الصلاة والسلام وواشنطن وبريطانيا كانتا بصدد دراسة ضرب قناة الجزيرة والاعتداء عليها عسكريا .. والقائمة طويلة يضيق المقال للاحاطة بها . وفي تقديري أن هذا الحماس العفوي والبرئ والمحب للحرية يحتاج حقا إلى حماية وترشيد ، ولعل هذا ما حمل بعض المشاركين من منظمي الندوة على تقديم اقتراحات بشأن الاعداد لورش عمل لتدريب الشباب على العمل الصحفي المهني وتلقينهم دروسا في استخدام الاعلام البديل ومنه الانترنت ، على النحو الذي يشبع فيهم هذه الرغبة في ممارسة حقوقهم المشروعة في التعبير عن رأيهم ، بشكل أكثر وقارا يعكس وعيا حضاريا عاليا بمفهوم الحرية وتضاريسها . [email protected]