بعد نشرمقالي "حوار مع صديق قبطي" ، والذي بينت فيه السياق التاريخي الذي أفرز ما يسمى "الخط الهمايوني" ، وبينت ل"الجهلاء" و ل "زبائن" علب التمويل الأمريكية ، أن لهذا الخط فضل الحفاظ على الكنيسة المصرية من الانقراض أمام حملات التبشير البروستانتي والكاثوليكي ، وأنه لم يفرضه المسلمون على الاقباط بل إن الكنيسة ذاتها وكهنتها ووجهاء الاقباط هم الذين الذين توسلوا في القرنين الثامن عشروالتاسع عشر للباب العالي واستغاثوا به ليتدخل لحماية كنيستهم التي باتت مهددة ، وأنه لولا هذا "الخط" المفترى عليه الآن لكانت الكنيسة اثرا بعد عين ولكان مكانها الآن في متحف ميدان التحرير للأثار ،وأن يوم صدور المرسوم بالخط الهمايوني كان يوم عيد من أعياد الكنيسة ، وأن الأخيرة لاتتمنى الغائه خوفا من هذا البعبع التبشيري الرهيب ، وإن كانت تتظاهر بأنها ضاقت زرعا به بسبب ما يفرضه عليها من قيود كما تدعي . بعد نشر المقال عاتبني البعض ، وكانوا يتمنون أن لاينشر هذا المقال ، واعتبروه من قبيل التنوير الذي ما عاد يجدي نفعا في ظل علو كعب تيار التطرف (داخل الكنيسة) وتيارالاستقواء بالغرب خارجها ! كان هذا العتاب بالتأكيد سخيفا وغير مسؤول بالمرة ، إذ أن دوري هو في واقع الحال تنويري وتثقيفي ، فضلا عن الدور الذي يفرضه على عملي كصحفي محترف ، وهو كشف الفساد ومطاردته وتقديم مرتكبيه للعدالة ، وفوق ذلك كله فأنا مصري ومن واجبي تجاه وطني أن اسدي النصح فيه للجميع بلا تمييز مهتديا بقول الله تعالى على لسان صالح عليه السلام " إنْ أُرِيدُ إلاَّ الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ومَا تَوْفِيقِي إلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وإلَيْهِ أُنِيبُ " احساسي أن هذا "العتاب" كان ينطلق بدافع "طائفي" خفي وكأن لسان حالهم يقول إذا كان الغاء الخط الهمايوني سيضر بالكنيسة فهذا شأنهم وماذا يضيرنا نحن المسلمون في هذا الأمر؟! وكما قلت هذا تقدير طائفي غير مسئول ، إذ إن الكنيسة المصرية لاتهم المسيحيين المصريين وحدهم بل والمسلمين ايضا ، فهي تعبير لواحد من أهم عناصر مكونات النسيج الوطني المصري ، والذي شارك المسلمين منذ الفتح الاسلامي (في فتح ليبيا والمغرب العربي ) وإلى الآن في صوغ ماضي الامة و حاضرها ، ولقد أظهرت التجربة في الثلاثين عاما الاخيرة .. أن تنازل الدولة لجزء من حقوقها القانونية والدستورية للكنيسة ، كان قرارا بالغ الضرر على الامن القومي المصري ، إذ احال نحو 4 مليون قبطي مصري إلى "رعايا" للكنيسة وليسوا مواطنين بالدولة المصرية ، ولعلنا نتذكر كيف تعاملت الكنيسة مع الدولة في قضية اسلام السيدة وفاء قسطنطين ، إذ بدا الأمر وكأن عملية تبادل رهائن تمت بين بلدين وسلطتين مختلفتين والامر كذلك اثناء أحداث الشغب التي وقعت في العباسية والقاء القبض على بعض المتظاهرين الاقباط ، وكيف تعامل البابا شنودة بمنطق الندية وكسلطة موازية لسلطة الدولة .ليبدو المشهد وكأننا ازاء بلدين برئيسين: بلد للمسلمين وأخرى للأقباط ! إذن أمر الكنيسة ليس شأنا مسيحيا محضا بل إنه شأن وطني مصري ينبغي التعامل معه من هذا المنطلق ، وكما أن حالة "المياعة" التي عليها الأزهر الآن تضر بالمسلمين والمسيحين ، فإن حالة التشدد والتطرف التي عليها الكنيسة الآن تضر أيضا بالمسيحين والمسلمين . فنحن جميعا في مركب واحد وابناء وطن واحد ، الأزهر والكنيسة مؤسستان مهمتان .. ينبغي أن نفهم أنهما مناط نهضة مصر وصمام أمنها القومي .. ولم يحدث في تاريخ مصر أن تهرأ وتفسخ أمنها وسلامها الداخلي إلا في هذا الزمن .. بعد أن تغيرت الكنيسة في عهد البابا شنودة وتبدل الازهر إلى أزهر اخر في عهد الدكتور سيد طنطاوي .ولا يسأل عن هذا الوضع الخطر والقابل للاشتعال في اية لحظة إلا سياسات نظام رأى في استرضاء الاول طريقا لاسترضاء القوى الغربية على أجندته الداخلية ، ورأي في الثاني الرجل المناسب الطيع والذي لايعصي له أمرا فيما يتعلق بتفصيل الازهر والمناهج بما يرضي كل المرعوبين من التيار السياسي الاسلامي الصاعد والمتنامي ، في الداخل والخارج .. والنتيجة كما نراها : غضب طائفي واجتماعي وسياسي بات أكبر من "بالونة" البلد .. ونسأل الله السلامة لمصر ولأهلها [email protected]