كيف لا يسمح قانون الأحزاب الجديد بقيام أحزاب على أساس ديني وفي نفس الوقت يسمح بقيام أحزاب ذات مرجعية دينية؟ هذا السؤال تردد كثيرا في الفترة الأخيرة حيث يشوبه بعض الغموض يقترن في بعض الأحوال بقدر كبير من الاستغراب والاستنكار . لذا كان من الواجب مناقشة بعض النقاط المتعلقة بهذا التساؤل خاصة أن الآمر يرتبط في المقام الأول بحزب الأخوان المزمع الاعلان عنه قريبا – الحرية والعدالة – والذي من المتوقع أن يتمتع بقدر كبير من التأثير في مشهد مصر السياسي في المرحلة المقبلة. وعلى ما يبدو أن الاستغراب والاستنكار المصاحب للتساؤل السابق مصدره التناقض الظاهري أو اللبس في تفسير المقصود بالأساس الديني والمرجعية الدينية وهو بحق غموض له أدلته وشواهده من الناحية اللغوية أولا ومن الناحية التصادمية مع الأخوان المسلمين والتنظيمات الإسلامية الأخرى ثانيا. لذا أستوجب التوضيح لإزالة هذا اللبس والغموض. التفسيرات المبدئية والحالية لفض الاشتباك بين المعنيين اتفقت على التالي: قيام الحزب على أساس ديني يعني الاشتراط بأن تكون عضوية الحزب لأشخاص ذات ديانة معينة ولا تقبل عضوية من لا يدينوا بغير هذه الديانة أما المرجعية الدينية فتعني أن فكر وشخصية الحزب تستند لأصول ومبادئ ديانة معينة بالرغم من قبوله عضوية أشخاص من ديانات مختلفة وهذا موجود بالفعل في عدد من الأحزاب العقائدية والمسيحية في دول غربية ذات ديمقراطيات قديمة ومتأصلة . ولذلك سمح المعنيين للإخوان المسلمين بإنشاء حزب سياسي بدون أساس ديني ولكن بمرجعية إسلامية. ولإزالة بعض الغموض الذي لا زال يشوب التفسير الثاني الخاص بالمرجعية الدينية، فالمتوقع في حالة حزب الأخوان أن يكون ذا مرجعية إسلامية بحيث تكون الشريعة الإسلامية بتعاليمها العقائدية والفقهية مرجعا رئيسيا في حالة الاختلاف في أية أمور يكون الحزب منوطا بالبت فيها. وهنا ينشأ عدد من الأسئلة الهامة، أولها هل ذلك يشجع أية أشخاص لا يدينوا بالإسلام كالأقباط مثلا بأن يكونوا أعضاء بالحزب وهم يعلموا أن أموره ستحتكم لتعاليم الإسلام والإجابة المتوقعة أن ذلك يمكن حدوثه لعدد من الأسباب والأغراض لا مجال للخوض فيها ألان ولكن المتوقع أيضا أن ذلك سيكون في أضيق الحدود وأن العدد الملتحق من الأقباط يمكن أن يتناقص مع الوقت كلما كثر الاحتكام لأحكام الشريعة المتعارضة مع عقائدهم وديانتهم الأصلية وهذا سيشكل التحدي الأول لحزب الأخوان ويثير أتهاما في ممارسة الحزب السياسية. أما السؤال الثاني فهو أية مرجعية ستكون في حال كان الأمر المختلف فيه هو أيضا من الأمور الخلافية؟ ففي حالة أن الأمر المختلف فيه يمكن البت فيه بما يتفق مع الأصول ومع ما لا يتعارض مع ما هو معلوم من الدين بالضرورة، سيكون الأمر حينئذ سهلا ويسيرا . ولكن في حالة المشتبهات أو ما ليس فيه نصا صريحا، هنا سينشأ جدلا كبيرا بين الأعضاء لن يتم التمكن من حسمه إلا من خلال آلية يجب الاتفاق عليها والإعلان عنها من الآن. وهذا سيمثل تحديا أكبر للإخوان. فإذا تم مثلا الرجوع إلي مكتب الإرشاد ستكون الإشكالية هنا احتمالية تعارض حكم مكتب الإرشاد مع أغلبية أعضاء الحزب ثم سيتم اتهام الأخوان وقتها وكما هو معتاد دائما أن الأخوان لا يمكن أن يمثلوا وحدهم الإسلام لذا لا يمكن أن يتم اللجوء إلى مكتب الإرشاد في هذه الحالة لتجنب ذلك الاتهام. هل يتم اللجوء إلى الأزهر الشريف ولجنة كبار علمائه أم إلى رابطة المؤتمر الإسلامي وكلاهما وغيرهم أيضا من التمثيلات الإسلامية عليها عديد من الملاحظات سواء في مبادئها وانتمائها أو في أعضائها وأسلوب عملها. أن فراغ الساحة الإسلامية من تمثيل إسلامي قوي يمثل جميع أطياف الأمة ويمثل الإسلام الوسطي الشامل الذي تنتهجه جماعة الأخوان سيمثل عائقا وتحديا كبيرا لحزب الإخوان في الأداء السياسي في الفترة القادمة. والمؤكد أن الجميع يعلم أن هذا الفراغ كان مقصودا ومدبرا منذ زمن طويل سواء من الأنظمة العلمانية الاستبدادية أو من الاستعمار الخارجي بنوعيه القديم والجديد ولكنه ليس من المؤكد أن يتغلب الأخوان بيسر على هذه الإشكالية وهذا التدبير المطول الناتج عنه خلو الساحة من مرجعية إسلامية حقيقية وتتمتع بثقة عالية مثل ما هو موجود عند الشيعة وبعض الطوائف الأخرى. ولعل أيسر وأقرب السبل لمواجهة هذا التحدي يتمثل حاليا في الأزهر حيث أنه بتاريخه الطويل وبعد تأهيله من الناحية المؤسسية المتوقعة أيضا في المستقبل القريب يمكن أن يكون أقرب المرجعيات المقبولة عند غالبية الشعب المصري أو يكون البديل الثاني هو تشكيل لجنة شرعية تمثل تلك المرجعية ويتم انتخابها من أعضاء الحزب وبحيث يكون في عضويتها أعضاء من مكتب الإرشاد ومن لجنة كبار العلماء بالأزهر وغير ذلك من علماء الثقة. أنه مما لاشك فيه أنه من حق جماعة الأخوان المسلمين أن تتواجد على الساحة السياسية في الدولة الديمقراطية المنشودة بعد ثورة 25 يناير وخاصة بعد صراعهم الطويل والتاريخي مع أنظمة قمعية متعددة وهذا لن يتأتى إلا من خلال حزب سياسي. وأيضا من حق العديد من أفراد الشعب الراغب في إتباع منهجهم الوسطي أن ينضموا لهذا الحزب. ولكن مما لاشك فيه أن التحديات المذكورة مطلوب التعامل معها بحكمة وتخطيط كافيين حتى لا يفقد الأخوان مصداقيتهم وحتى لا تقوم القوات المسلحة بتفعيل لفظة أخرى مذكورة في قانون الأحزاب و لا يلتفت إليها كثيرا في هذا الوقت ألا وهي ألا يكون ممارسات الحزب على أساس ديني