فجأة وبدون سابق إنذار انفضت الشعوب العربية ضد أنظمتها الفاسدة رغم سنوات طويلة من الممارسات القمعية التي ظن الجميع أنها كانت كفيلة بإسكات الأصوات المناهضة لتلك الأنظمة والى الأبد، لكن كان لابد من العودة إلى صوت الفطرة مها طال الزمان ذلك الصوت الذي بقي صادحا مناديا بالحرية ورفض العبودية لغير الله (فطرة الله التي فطر الناس عليها) والتي بينها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب بقوله "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) . الملاحظ على تلك المظاهرات بغض النظر عن البلد الذي انطلقت فيه هو عدم انتظارها لفتوى دينية بالخروج ضد الحاكم وهذا ما كان يوحد الجماهير، فطوال العقود الماضي كانت الفتاوى مفرقة ولم تجمع الناس على أمر جامع خاصة مع بروز علماء السلطة الذين باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا، خوفا من بطش الحاكم تارة وطمعا في مكارمه وهباته تارة أخرى . ومن غرائب وعجائب الفتاوى التي تفلسف بها علينا علماء السلطة قول احدهم بحرمة المظاهرات بحجة أنها بمثابة الشكوى لغير الله(والشكوى لغير الله مذلة) وكأن هذه الشعوب المفجوعة تعيش في قمة العزة والكرامة وتتمتع أعلى مظاهر الحرية ..وأضاف آخر إن الخروج بمظاهرات ضد البطالة والحرمان هو اعتراض على قضاء الله وقدره ، فالله تعالى هو الذي قدر لك ان تعيش في هذه الحالة من الفقر ..وقد نسى هؤلاء أو تناسوا أن هؤلاء الحكام هم من سرق خيرات الشعوب وقتروا على الناس أرزقاهم وتسببوا في إرهاق كاهل بلدانهم بالديون بسبب سياساتهم الرعناء، وقد غاب عن هؤلاء قول النبي صلى الله عليه وسلم(إن الناس إذا راءوا الظالم ولم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعذاب من عنده) وكثيرا ما يحتج هؤلاء بقول الإمام احمد رحمه الله (لو كانت لدي دعوة مستجابة لادخرتها للسلطان لان في صلاحه صلاح للأمة) ولعل هؤلاء يدرسوا التاريخ جيدا اذ كان الحكام آنذاك يأتون عن طريق البيعة وليس كحالنا اليوم عن طريق الانقلابات العسكرية ونصب المشانق للعارضين والأحكام العرفية وقوانين الطوارئ فلم يكن للشعوب العربية يد في اختيار حكامها طيلة الحقبة الماضية . لقد أتى على أمتنا حين من الدهر فقد فيه العلماء هيبتهم وقلت ثقة الناس بهم حين ضعفوا واستكانوا للطواغيت ولم يقتدوا بأسلافهم من العلماء الأفذاذ الذين كانت لهم مواقفهم المشرفة التي سطرها التاريخ بحروف من ذهب وظل ذكرهم ذكرهم يردد بكل فخر واعتزاز كأبي حنيفة النعمان و الاوزاعي وابن تيمية والعز بن عبد السلام، وما أدراك ما العز بن عبد السلام الذي حكم ببيع الأمراء المماليك ورد ثمنهم الى بيت مال المسلمين وحين رفض المماليك ذلك خرج العز من مصر فخرج الناس معه عندها اخذ المماليك توسلون به ليرجع ورضخوا لفتواه فباعهم ورد ثمنهم الى بيت مال المسلمين فاستحق بذلك ان يسمى سلطان العلماء. لقد كانت هذه الثورات نظيفة لم تلوثها فتاوى باطلة او قرارات حزبية نفعية بل بالعكس حين اثبت الشباب وجودهم واجبروا كبرى وسائل الإعلام لتغطية نشاطاتهم اولاً باول ولم يكن يحركها إلا نداء الفطرة بالعودة الى حياة الحرية والعيش في فضائها الواسع. كاتب وإعلامي عراقي