بينما يحاول العقيد يائسًا قمع الثورة الشعبيَّة، يعتمد بقاؤه على ولاء دائرة مقرَّبة من أفراد عائلته ومسئولين أمنيين تتوقف مصائرهم الشخصيَّة على نجاة العقيد، وسط هذه الدائرة يوجد أربعة من أبنائه، واثنان من قادة التجسس المتهمين بالضلوع في سلسلة من الاغتيالات والمؤامرات الإرهابيَّة خلال أربعة عقود قضاها القذافي في السلطة. وفي حين انشقَّ عددٌ كبير من الدبلوماسيين الليبيين والمسئولين الحكوميين عن القذافي، فإن من غير المرجَّح أن تحذو هذه الدائرة نفس النهج، ومن المنطقي أن يكون لديهم من الأسباب ما يجبرهم على الالتصاق به، كما يقول جون هاميلتون، الخبير في الشئون الليبيَّة، الذي يرى أن الوقت أضحى متأخرًا جدًّا كي يتمرَّد الأبناء ضد والدهم، بل لم يعد أمام أحد في هذه الدائرة سبيل للتراجع. المدلَّلون لسنواتٍ تنافس أطفال القذافي على السلطة، وتمنَّوا خلافة والدهم، وكان الوالد يشجِّعهم، ويفسح الطريق أمامهم عن طريق تطهير الحكومة من المنافسين المحتملين، لكن أبناء القذافي على ما يبدو قرَّروا تنحية مشاعر الغيرة جانبًا، للدفاع عن والدهم، كما يقول المحلِّلون. ظهر سيف الإسلام، الابن الثاني للعقيد، في التلفاز مرتين لتحريض الليبيين على الخروج دفاعًا عن القذافي، أما الساعدي، لاعب الكرة السابق، فقد أشرف بنفسه على قمع المتظاهرين في شرق ليبيا. معتصم، الابن الرابع، يشغل مستشار الأمن القومي، بينما يقود خميس، الضابط التي تلقَّى تدريباته في روسيا، قوَّات النخبة المخصَّصة لحماية القذافي. العجوزان أكثر حلفاء القذافي نفوذًا هما العجوزان: عبد الله السنوسي، الرئيس السابق للمخابرات الليبيَّة، ووزير الخارجية موسى كوسا، رجل المخابرات الخارجيَّة. السنوسي، الذي هو أيضًا صهر القذافي، أدين غيابيًّا في فرنسا بتدبير تفجير طائرة ركاب فرنسيَّة عام 1989، مما أسفر عن مقتل 170 شخصًا، ورغم أن وظيفته الحالية في الحكومة الليبيَّة غير منصوص عليها علنًا، يقول المحللون إنه عين القذافي وأذنه ويده اليمني في إحكام السيطرة الأمنيَّة على البلاد، كما اتَّهمته جماعات حقوق الإنسان بتنظيم القمع ضدّ المحتجين الليبيين. يقول، هيرمان كوهين، دبلوماسي أمريكي سابق، عن السنوسي الذي التقاه عدة مرات كرجل أعمال في أواخر التسعينيات وأوائل الألفيَّة الثانية: "يعتبر رئيس المخابرات أكثر أعضاء الدائرة القريبة من القذافي مرضًا بجنون العظمة، ومن الواضح أنه كان مؤثرًا على كافة الأصعدة". عصابة تحكم في 2003، اتُهِم السنوسي وكوسا بمحاولة تنفيذ أوامر من القذافي باغتيال العاهل السعودي- حينها- عبد الله، وتَمَّ إفشال العمليَّة حينما أدلى متورطان ليبيان باعترافات لمسئولين سعوديين وأمريكيين، ورغم إجراء تحقيقات، لم تتوقف الجهود الليبيَّة لإصلاح العلاقة مع واشنطن. وكان لكوسا، الحاصل على الماجستير من جامعة ميتشيجان، دور بارز في التفاوض على استعادة العلاقات الدبلوماسيَّة مع الولاياتالمتحدة، مقابل موافقة ليبيا على التخلي عن برنامجها النووي، وتَمَّ تنصيبه وزيرًا للخارجيَّة عام 2009، لكن سيطرته على بعض المسئولين في أجهزة الأمن والمخابرات لا تزال قائمة، بحسب أحد الوثائق الصادرة عن السفارة الأمريكيَّة في طرابلس هذا العام. هذه الوثيقة، التي سرَّبَها ويكيليكس الشهر الفائت، تصف كوسا بأنه شخص نادر بين المسئولين الليبيين، يجسدُ مزيجًا من الفطنة الفكريَّة، والقدرة التشغيليَّة، والوزن السياسي". آمال تتبخَّر قبل بدء الثورة، كان المحللون والدبلوماسيون يرجِّحون لخلافة القذافي، معتصم، مستشار الأمن القومي، وسيف الإسلام، رجل الأعمال الذي تلقَّى تعليمه في بريطانيا، ويعتبر الأكثر ظهورًا من داخل الدائرة المقرَّبَة للرئيس، رغم أنه لا يشغل أي منصب رسمي.. كلاهما قام بزيارات إلى واشنطن خلال السنوات الأخيرة، وكانا نقطة الاتصال الرئيسيَّة بالنسبة للسفارة الأمريكيَّة في طرابلس. ويتمتع معتصم بعلاقات وثيقة مع ضباط الحرس القديم في الجيش الليبي، وشارك بشكلٍ مباشر في قمع المحتجين (مؤهِّل مهم لخلافة والده) وهو شخصية خطيرة كونه يرأس الأمن القومي، وينظِّم لنوع من الهجمات المضادَّة، وفق تحليلات نور الدين جيبون، الأستاذ الزائر بجامعة جورج تاون، والمتخصص في دراسات الشرق الأوسط. أما سيف الإسلام فوصف، في ظهوره الثاني على التلفزيون الحكومي الليبي منذ بدء الأزمة، التقارير التي تحدثت عن مقتل مئات أو آلاف المواطنين بأنها "مزحة"، وأظهر دعمًا قويًّا للطريقة التي ردَّ بها والده على الثورة، قوض صورته كمصلح لدى الشعب الليبي، بحسب مراقبين، وكان من المفترض أن يقدِّم صورة مقبولة للغرب، ويروِّج لنفسه باعتباره الوجه الأكثر قبولا في النظام الليبي، كما يرى شادي حمدي، المحلل السياسي والباحث في مركز بروكنجز الدوحة، لكن من الواضح الآن أنه يدافع بعدوانية شديدة عن بقاء النظام. ويقول المحللون: إن التغير الواضح في موقف سيف الإسلام -وتورط إخوته- يثير القلق في أوساط عائلة القذافي من إمكانية تعرضهم للمحاكمة، أو حتى الإعدام، في حال نجحت الثورة. في نهاية المطاف إذا نجحت الثورة الشعبيَّة، سيكون سيف الإسلام رقم 2 أو 3 على قائمة المستهدفين، ولن تشفع له صورته الإصلاحيَّة". ترجمة علاء البشبيشي(الاسلام اليوم)