مازالت التيارات اليسارية والعلمانية وأيتام الشيوعية، يتمتعون بنصيب الأسد فى الإعلام، ومازال صوتهم عاليا، ومازالت ضلالاتهم تعكر صفو الهواء الذى نتنفسه، هم قلة لا تذكر، ومع ذلك فلهم صوتا عاليا، وأبواقا كثيرة تردد ضلالاتهم. قبل 25 يناير 2011، كانت هذه التيارات تبرر فشلها فى أى انتخابات على شماعة التزوير، وكان الأمر مريحا بالنسبة لهم، لأنهم من غير تزيو ساقطون، ومع أن التزوير كان منهجا ومبدأ فى ظل نظام الرئيس المخلوع، لكننا نؤكد بأنهم لم يكونوا هدفا للتزوير، لأنهم ساقطون بدون تدخل من وزارة التزوير، وهم يعرفون ذلك جيدا، يعرفون من الذى كان هدفا للتدخل ضدهم فى نتائج الإنتخابات. هم يعرفون أنفسهم جيدا، يعرفون تمام المعرفة أنهم لايتمتعون بأى درجة من القبول الشعبى، فلو قلت أنهم يمثلون واحدا فى المائة أكون قد أعطيتهم أكثر من حجمهم الحقيقى، لأنهم عدة آلاف لا يكملون أصابع اليدين معا، فى 85 مليون، لكنهم مسيطون على أجهزة الإعلام بكل أنواعها واتجاهاتها المختلفة، من صحف وفضائيات وغير ذلك. رغم التغير الملحوظ فى كل شىء بمصر، إلا أنه مازالت هذه الوجوه الكالحة، هى الضيف الدائم المفروض على كل ملايين المصريين، وكلهم يُنعتوا بصفة "مفكر"، فلا أحد فيهم يقل حجمه حسب إعلامنا عن درجة مفكر أو منظر، أو خبير استراتيجى أو اقتصادى، ومن خلفهم ستجد معدى ومقدمى هذه البرامج من المنتمين لهذه التيارات السقيمة، من روائيين وشعراء ومسرحيين وفنانين أيضا. هؤلاء قبل 25 يناير كانوا يحلمون بتغيير المادتين 76 و 77 من الدستور، وفى لحظة حدث التغيير الشامل فى مصر، فتم خلع الرئيس الفاسد، وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد، ومصطلح "إدارة شئون البلاد" يعنى تأقيت هذا الوضع، وضرورة الإعلان عن هذه المدة، وقد حددها المجلس الأعلى للقوات المسلحة بستة أشهر، ثم قام المجلس العسكرى بحل مجلسى الشعب والشورى، وتغيير الحكومة، وحل جهاز مباحث أمن الدولة، وإحالة كل رموز الفساد للمحاكمة، وتشكيل لجنة متخصصة لعمل التعديلات الدستورية المطلوبة، ولم يقتصر التعديل على المادتين اللتين كان الشعب يطالب بهما، بل تم تعديل عشرة مواد، تكفل الإنتقال السلمى للسلطة بشكل ديمقراطى، يضمن الحقوق المشروعة للشعب. بعد وقت، استفاق التيار اليسارى العلمانى، وجهر بحقيقة تخزيه، لكنهم لايستحون، حيث أعلنوا أنه لو تمت انتخابات الآن لن يتقدم فيها سوى الإخوان المسلمين، أى أنهم يعترفون بأن الإخوان قوة ضاربة، لها قاعدة شعبية عظيمة، ولو تقدموا للترشيح على كل المقاعد فى الإنتخابات التشريعية، قد يستحوذوا على 90% من مقاعد البرلمان. إذا كان الإخوان لهم هذا القبول لدى الشعب، فلماذا يقف هؤلاء حائلا أمام إرادة أغلبية الشعب؟، فالإنتخابات ستكون نزيهة، وسيحصل كل مرشح على عدد الأصوات التى انتخبته بحق، فإذا اختارت الأغلبية أى تيار، فما هو الضرر فى ذلك؟ هل جموع الشعب جهلاء وهم وحدهم العالمون؟ هل جموع الشعب قصَر غير راشدين وهم أولياء عليهم؟. بدلا من أن يتفرغ هذا التيار لجمع شتاته، وتوسيع دائرة مؤيديه، انصرفوا للقدح فى التيارات الإسلامية، كأنهم من التتار، وهم ملائكة سيحيلوا مصر إلى جنة خضراء، كأن الإسلاميين من شر ما خلق الله، وهم الأخيار المصطفون، الذين لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم!!. لقد عاش الشعب المصرى تجارب عديدة على مدى العقود الماضية، عشنا التجربة الرأسمالية، والإشتراكية، والليبرالية، والشيوعية، وكل هذه النظم سقطت، وثبت فشلها، فلماذا لا نجرب المنهج الإسلامى، الذى يستند إلى ما شرعه الله تعالى، فتكون مصر دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية، والمرجعية الإسلامية تعنى قيام العدل بين كل أفراد الشعب على اختلاف معتقداتهم وتوجهاتهم، وتعنى إتقان العمل، وتعنى مسئولية كل راع عن رعيته، وتعنى لو أن بعيرا تعثرت فى واحة سيوة ينهض لها الحاكم، وتعنى تطبيق مبدأ الشورى عملا وفعلا وليس مجرد كلام. المرجعية الإسلامية تعنى مجتمعا تسوده القيم الفضلى، والمثل والأخلاقيات الطيبة، مجتمعا يكون الظلم فيه محرما، وتحرم فيه الرشاوى والمحسوبية، والقمار والخمور، والدعارة والشذوذ والخلاعة، وتشريد الأطفال، وملتزم بإعالة كل مريض ومحتاج، ورفعة كل ذى علم وهمة. هؤلاء الذين يملأون الدنيا صخبا وضجيجا، لكى يعرقلوا الإستفتاء على تعديل الدستور، ويسوقون حججا تبدو حقا يريدون به باطلا، فاتهم أن أبسط قواعد المنطق تقول بأن الأمر مطروح على كل الشعب ليقول كلمته، فهل الشعب عاجز عن معرفة مصلحته؟ هل 85 مليون مصرى لا يعرفون ما يضيرهم وما ينفعهم؟ بمعنى أن هذه التعديلات لا يملك أى فرد أو تيار ما أن يمنع طرحها للإستفتاء، ولو حدث هذا تكون جريمة فى حق الشعب كله، لأنهم غير مفوضين للحديث باسم الشعب، ولا يمثلون إلا أنفسهم، فلماذا يقفوا حائلا أمام أول فرصة حقيقية للشعب يقول فيها كلمته دون تزوير؟ إن العالم كله ينتظر نتيجة هذا الإستفتاء الذى يعد أول اقتراع نزيه فى تاريخ مصر، وما يقوله الشعب هو الذى سيكون. هؤلاء يتناسون أن الإسراع بنقل السلطة فيه تقديم لمصلحة البلاد العليا، فالمجلس العسكرى يريد نقل السلطة بأسرع ما يجب، لأن الأمن القومى المصرى بعد أحداث ليبيا بات مهددا، فهناك احتمال قائم أن تتدخل أمريكا فى ليبيا بغطاء شرعى مصطنع عبارة عن قرار من مجلس الأمن التابع لها، وفى هذه الحالة ستقوم بعمل قواعد عسكرية لها على غرار القواعد الموجودة فى الخليج والسعودية، مما يشكل خطرا على مصر، كما أن الوضع فى السودان بعد انفصال الجنوب الذى تتحكم في سياساته اسرائيل يشكل هو الآخر خطرا على مصر، وهناك أيضا المؤامرات التى بدأت تنفذ بدول منابع النيل لتقليل حصة مصر من المياه بنسبة كبيرة، وما سوف يشكله ذلك من خطر شديد على مصر وأمنها القومى، وهى قضية فى منتهى الخطورة. كل هذه الأخطار تبرر للجيش التعجيل بنقل السلطة ليتفرغ لمواجهة تلك الأخطار الداهمة، ولو أن هذه الأصوات التى يقال عنها "قوى" لديها قليل من الحس الوطنى، والشعور بالمسئولية، لكانت أيدت الإسراع فى الإنتهاء من التعديلات المؤقتة، والتى جاء فيها نصا قاطعا فى المادة 189 مكرر بإلزام مجلس الشعب القادم بانتخاب جمعية تأسيسية لصياغة الدستور الجديد، حيث يقول النص: "يجتمع الأعضاء غير المعينين لأول مجلسى شعب وشورى تاليين لإعلان نتيجة الإستفتاء على تعديل الدستور لاختيار الجمعية التأسيسية المنوط بها إعداد مشروع الدستور الجديد خلال ستة اشهر من انتخابهم، وذلك كله وفقا لأحكام الفقرة الأخيرة من المادة 189". أى أن هناك إلزاما والتزاما بصياغة دستور جديد، من خلال جمعية تأسيسية كما فى أرقى الدول الديمقراطية، ولاحظوا جمال النص، فهو يستبعد الاعضاء المعينين من تلك المسألة، لأنهم معينون بقرار من رئيس الجمهورية، وهناك احتمال بأن يكون ولاؤهم له، فقدم النص معالجة مسبقة لإشكالية قد تثور فيما بعد، وفى كل الأحوال، مادام هناك إرادة حرة للناخبين غير مزورة يكون كل شىء منضبطا، ومن سيترشح للرئاسة سيضع فى برنامجه الإنتخابى ملامح الدستور الجديد، والشعب سيفاضل ويختار، وما تقره الأغلبية سيكون ملزما، فلماذا هذا الهياج الغير مبرر من تلك التيارات القميئة التى كان يعمل أغلب قياداتها لحساب أمن الدولة ؟. أنا أول من سيقول نعم لهذه التعديلات، ولكن لن أفرض رأيى على أحد، لأنى أحترم إرادة الغير، لكنى أدرك الأخطار التى تحيق بالوطن، وأدرك أن صالح الوطن هو الإسراع فى نقل السلطة، وانتخاب المجالس النيابية قبل انتخابات الرئاسة، وسوف تعبر مصر هذه المحنة رغم أنف هؤلاء الصابئون. كلمة أخيرة: تم القبض على عدد من الرموز الذين ثبت تورطهم فى ما عرف بموقعة الجمل يوم 2 فبراير، لكن لماذا حتى الآن لم يتم القبض على المحامى الشهير صاحب الصوت العالى والألفاظ النابية، وبطل العشرات من الفضائح، لأنه يوم الثلاثاء واحد من فبراير اجتمع بمنزله عناصر من أمن الدولة وقيادات بالحزب الوطنى، وثلاثة من نجوم نادى رياضى شهير، بينهم شقيقان، ومدرب مصرى شهير جدا، وعدد من زعماء البلطجية، بعضهم جىء به من السجون، وبيتوا بليلهم الأسود ما حدث يوم الأربعاء 2 فبراير، وحتى الآن لم يتم القبض على أى منهم، رغم أن أحد الشقيقين صرح بأنه سيترك مصر بسبب هجوم الناس عليه، والحقيقة أنه يريد الهروب قبل القبض عليه، فمتى سيتم القبض عليهم؟. [email protected]