في عام 2007، نشرت جريدة الأهرام خبرًا عن توصل الباحثة عنايات عبد العزيز عماره بقسم الباثولوجي بالمركز القومي للبحوث لخلطة نباتية يمكن أن تكون ذات فعالة في علاج فيروسات الكبد، لتستقبل الباحثة بعدها عشرات الاتصالات من مرضى طلبوا الاستفادة منها. لم تتمكن عمارة حينها أن تتعاون معهم، رغم أن الأبحاث التي أجريت على فئران التجارب، أظهرت فعالية الخلطة، ذلك لأن وصول أي علاج للبشر يحتاج لست خطوات، لم تقطع منها الباحثة حينها، سوى خطوة واحدة فقط. وتمثل التجربة على "فئران التجارب" أولى الخطوات، يتبعها خمس خطوات أخرى، تبدأ ب "التجربة على حيوانات أكبر"، ثم "تسجيل براءة اختراع"، ف "الحصول على البراءة" بعد ذلك، لينتقل الكشف/ الاختراع إلى مرحلة أخرى وهي "التجربة على متطوعين من البشر" تحت إشراف طبي كامل، وتأخذ تلك المرحلة فترة زمنية طويلة قد تصل إلى 15 عاما، قبل الوصول إلى المرحلة الأخيرة وهي "الوصول بالاختراع إلى شركات الدواء". وبينما توقفت "عمارة" منذ عام 2007 وحتى الآن عند الخطوة الثالثة، كما قالت لمراسل وكالة "الأناضول"، فاجئنا الجيش المصري باختراع، قال إنه يقضي على فيروسات الكبد، وفيروس الإيدز، وهو ما يثير تساؤلاً هاماً: هل قطع القائمون على اختراع الجيش المصري كل الخطوات السابقة الذكر؟. عمارة تعجز عن الإجابة على هذا التساؤل، ذلك لأن المؤتمر الصحفي الذي عقده الجيش للإعلان عن ذلك، لم يقدم إجابة وافية على تلك الاستفسارات، ليفتح باب الاجتهادات، بين من يقول عن هذا الاختراع أنه "كشف علمي واعد"، ومن يراه "أضحوكة" مثيرة للسخرية، وبين من يأخذ مسافة غير منحازة لأي من الفريقين قائلا "المياه تختبر الغطاس". أول ردود الأفعال المنتقدة جاءت من عصام حجي، المستشار العلمي للرئيس المؤقت عدلي منصور، الذي أبدى غضبه مما جاء في المؤتمر الصحفي، واصفا إياه ب "الفضيحة العلمية لمصر". وقال حجي في تصريحات صحفية، مساء الثلاثاء إن "العرض التوضيحي لاختراع الجيش الذي قيل عنه إنه يعالج فيروسات الكبد والإيدز لم يتضمن تفاصيل علمية صحيحة، وإن الرئيس المؤقت عدلي منصور ووزير الدفاع المشير عبدالفتاح السيسي فوجئا به". حديث حجي يوافق ما جاء في تقرير المكتب الأوروبي للبراءات الذي رفض طلب مصر الذي تقدمت به عام 2010 للحصول على براءة اختراع للجهاز. وقال المكتب الأوروبي للبراءات في تقريره الذي نشرته المنظمة العالمية للملكية الفكرية على موقعها الرسمي، إن "الاختراع المقدم كان يمكن اعتباره واضح وكامل في حال تقديمه لمعلومات كافية للسماح باستخدام الجهاز من شخص متخصص في المجال دون أن يقوم بالتجارب"، وهو ما اعتبره المكتب "شرطا غير متحقق في الطلب المقدم حيث لا توجد معلومات كافية عن كيفية عمل الجهاز تمكن الأطراف الثالثة (بخلاف الطبيب والمريض) من انتاج الجهاز، كما أنه لم يوضح الوصف والادعاءات الخاصة بتحقيقه لخاصية الكشف عن المرض نفسه (التشخيص)". التقرير أوضح أيضاً أن "الادعاءات الخاصة بقدرة الجهاز على الكشف عن المرض تحتوي على مصطلحات غير واضحة، وليس لها أي وظيفة أو علاقة فنية لطرق الاكتشاف المعروفة". وأعطى التقرير مثالاً على هذه المصطلحات من بينها "كشف عام" و"مؤشر حر للحركة" و"خصائص الجسم البشري"، مشيراً إلى أن "هذه المصطلحات مبهمة وغير واضحة مما يجعل القارئ يشعر بحيرة تجاه الخصائص الفنية المسندة إلى الجهاز". ولفت التقرير في ختامه إلى أن "أحد الادعاءات الخاصة بالجهاز هي قدرته على التفرقة بين الأجسام الصلبة، والسوائل، والغازات العضوية منها وغير العضوي، والفيروسات، والبكتيريا، والفطريات، وأمراض النباتات، رغم أن وصف الجهاز لا يتضمن أي معلومة تمكن القارئ من معرفة كيفية عمله وكيفية إعادة إنتاجه. وبالتالي فالوصف بلا شك يفتقر إلى الإفصاح عن الادعاءات بجدوى الاختراع، وبالتالي لا يمكن السماح به"، (أي منحه براءة الاختراع). من جانبه، قال أحمد مؤنس، أستاذ الجهاز الهضمي والكبد بجامعة عين شمس وعضو الفريق البحثي لجهاز "سي سي دي " المعني بعلاج " فيروس سي " لمراسلة الأناضول إن "هناك خلطاً في الأمور لدى الكثيرين، حيث أن تقرير المكتب الأوروبي للبراءات لا يتعلق بجهاز العلاج، لكنه متعلق بجهاز CFAST وهو المختص بتشخيص فيروس سي، والذي قدمه المخترع بطريقة No How أي دون احتوائه على طريقة التشخيص خوفاً من معرفة الدول الغربية للطريقة، وتحديثها ومن ثم احتكارها". مؤنس أوضح أن جهاز "سي فاست" الذي يعد أحد الأجهزة الثلاثة المختصة بالتشخيص، بخلاف الجهاز الخاص بالعلاج، يعمل عن طريق البصمة الوراثية، حيث يستطيع تسجيلها على شريحة (مايكروشيب). وبحسب مؤنس "في حالة تعرض المريض للجهاز تصدر موجة تبين أن هذا الشخص مريض بفيروس سي، وبالتالي عندما قدم الاختراع دون أن يتضمن هذه الشريحة، جاء تقرير المكتب الأوروبي على هذا النحو"، على حد قوله. وأضاف مؤنس إن "الفريق البحثي تمكن من اختراع أربعة أجهزة، ثلاثة منهم للكشف عن الأمراض (الكشف عن فيروس سي، وفيروس الإتش أي في (الإيدز، وفيروس بي)، إلى جانب جهاز رابع يقوم بالعلاج، وأن الأجهزة الأربعة مرت بثلاث مراحل عملية على مدار عام ونصف، وهي التجارب خارج جسم الإنسان (التجارب على الفئران) ثم الحيوانات، ثم المرضي، حيث قمنا بإخضاع 50 مريض على جهاز فيروس "سي" و 30 أخرون كعينة على فيروس "الإتش أي في" وكانت نسبة النجاح مع الجهاز الأول 95%، ونسبة النجاح في الثانية 100%". وتابع: "حققت الأجهزة خلال الثلاث مراحل نجاحا باهرا ولم يوجد أي آثار جانبية، وهو ما دفعنا للانتهاء من المراحل سريعا، ولم نعلن عن ذلك إعلاميا لأننا نعمل على أمر، بمثابة أمن قومي للبلاد، ويمكن لأي دولة أن تأخذ الطريقة وتقوم بتحديثها ثم احتكارها"، على حد تعبيره.
وحول البدء في تقديم العلاج للمصريين، قال مؤنس "إن آخر توقيت لعملنا سيكون 30 يونيه 2014، وبالتالي سيكون مطروحا مع مطلع شهر يوليو المقبل". وما بين المنتقدين الساخرين المؤيدين المتحمسين، وكلاهما من الباحثين العلميين، يقف فريق ثالث يمثله المواطن المصري البسيط الذي يتعلق بأمل الشفاء من هذه الفيروسات. وإلى جانب التعليقات الساخرة التي غزت الفيس بوك، حضرت في الموقع، بصورة أقل، تعليقات يدعو أصحابها لعدم السخرية، واختبار الأمر على أرض الواقع. أحد هذه التعليقات يقول صاحبها "والله ما فيه داعي أبدا نتريق (نسخر) على اختراع الجيش لعلاج فيروس سي والإيدز.. عندنا 16 مليون مصاب .. يلا بينا (هيا نذهب) نتعالج.. من بكرة (من الغد) طابور قدام (أمام) المستشفيات العسكرية ". ويبدو أن هذه الدعوة وجدت من يتجاوب معها، حيث رصدت الصحف المصرية توافد عدد من المصابين ب " فيروس سي" على مستشفيات القوات المسلحة المصرية بحثا عن العلاج. وعلقت المستشفيات لافتات تقول إن العلاج سيتم البدء في تقديمه مع بداية شهر يوليو المقبل، وهو ما يتطابق مع ما قاله مؤنس. ويصبح أمام المصريين المصابين بالفيروسات أربعة شهور لاختبار هذه الاختراعات، وكما يقول المثل الشعبي المصري: "الميه تكذب الغطاس"، فإن صدق ما جاء في المؤتمر الصحفي، وعالجت الاختراعات قرابة 15 مليون مصري مصابين بفيروس "سي"، وفق أحدث الأبحاث التي ناقشها قبل عامين المؤتمر السنوي الإقليمي لعلاج الالتهاب الكبدي الوبائي في العاصمة اللبنانية (بيروت)، فهذا يعني وفقا لهذا المثل أن "الغطاس نجح في الاختبار عند وجود الماء" وما جاء بالمؤتمر كان صادقاً، وإن لم يكن صحيحاً، فالماء كشف ادعاء الغطاس، ويصبح ما جاء بالمؤتمر غير دقيق أو ربما كذب وتلفيق.