تزايد بشكل لافت هذه الأيام الكلام عن ضرورة عودة الشرطة.. وهو "مطلب" لا يحتاج إلى كلام أو إلى حملات صحفية.. المشكلة أنه صادر من صحفيين وإعلاميين وصحف نشأت وانتفخت وتسمنت في محاضن شرطة مبارك القمعية.. وبالتالي فإن ما تقوله قد يكون في مظهره حقا ولكن في باطنه الباطل بعينه. كلنا نريد الشرطة.. ولكن أي شرطة نريدها؟!.. نحن أمام خيارين: إما شرطة مبارك بكل رصيدها الإجرامي والقمعي والوحشي.. وإما شرطة ما بعد الثورة.. شرطة تليق بمصر في ثوبها الحضاري الجديد. المشكلة ليست في غياب الشرطة.. فهو فيما يبدو لي غياب مقصود ويقف ورائه "أيتام مبارك" من مجرمي العهد السابق، لإحراج السلطات العسكرية، وللضغط في اتجاه قبول الشرطة القديمة بسيرتها الذاتية التي لا تشرف أحدا بالمرة. المشكلة أن زبانية التعذيب والقيادات الأمنية الفاسدة.. تريد إثارة الفزع وترويع المواطنين لوضع الرأي العام المصري أمام ذات المنطق الذي اعتمد عليه مبارك ووزير داخليته المسجون حاليا.. زبانية التعذيب ومن لهم سجل عاحل بالوحشية والفساد المالي والإداري من ضباط مبارك، يريدون أن يضعونا أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الترويع.. وإما ضباط التعذيب والفساد والاستعلاء والضرب بالجزمة والأيادي الملوثة بدماء الأبرياء في الشوارع وفي السجون ومعتقلات وأقبية مباحث أمن الدولة. على الرأي العام أن يعي، بأن هذا الجهاز الوحشي، لا يريد أن يتغير وإنما يريد أن يعود بذات الضباط والإدارات التي لا زالت ملفاتها لم تفتح بعد.. وكلها مآس وجرائم من المفترض أن يحاكموا بشأنها أمام المحاكم الجنائية الدولية. نحن لا نريد وزارة الداخلية وهي لا زالت على حالها.. نريد وزارة جديدة بوزير مدني سياسي ب"يفهم" ويؤمن بحقوق الإنسان.. ولا يكون وريثا لعقلية القمع الأمني والغطرسة الميري والاستعلاء على المواطنين والتصرف معهمم باعتبارهم "عبيدا" يعملون تحت أحذية "الأسياد" من الضباط الذين تربوا في محاضن الوحشية والدموية التي أرسها نظام حكم الرئيس المخلوع. يمكن حل المشكلة بسهولة.. ولكن المجرمين لا يريدون إلا أن يعودوا بذات الأدوات الإجرامية التي حرقت مصر بالكامل.. الحل سهل وميسور وهناك البدائل كثيرة والعقليات المبدعة في مصر، لا زالت على توهجها وعطائها.. في مصر عشرات الألاف من خريجي الجامعات والكليات المختلفة عاطلون عن العمل.. يمكن أن يلتحقوا بأكاديمة الشرطة لمدة ستة أشهر يتخرجون بعدها ضباط شرطة.. والألاف مثلهم من حملة الشهادات المتوسطة، يمكن الاستفادة منهم في تكوين "أمناء شرطة" جدد بشكل يناسب المرحلة الجديدة.. ويمكن أن يؤدي خريجو الجامعات الخدمة العسكرية كضباط احتياط بالشرطة.. وهي جميعها جماعات مدنية حضارية يمكن أن تشكل قواما جديدا لوزارة الداخلية يتأسس على قطيعة جذرية مع تراثها وخبراتها القمعية القديمة. [email protected]