لم يكف الناس عن التطلع إلى ثورة 25 يناير، ولم تكف هي عن أن تكون ملهمة لهم. نعم! فهي لم تزل ملهمة في أخطائها يوم أخطأت، وفي انتكاسها يوم انتكست، وفي صمود أهلها يوم بغي عليهم، تماما كما كانت ملهمة يوم نجحت. أمسى الناس ينظرون إلى أحرار مصر، كيف بهم وقد زلزلت الأرض من تحت أقدامهم، وما رد فعلهم أمام بأس عدوهم، فإذا بهم لا يأبهون للموت، يقدمون آلافا من الأنفس الطاهرة ابتغاء وجه ربهم وفي سبيل حريتهم واسترداد حقهم. هنا كان الدرس وهنا كان الإلهام لشعوب سعت إلى التغيير، ثم فشل مسعاها فضعف عزمهم، وانطفت حميتهم. في هذا الإطار نشأت أوصر المودة ووشائج الرحمة بين مصر وأوكرانيا. حيث جمعهما الفشل بعد النجاح، أو ما ظنا أنه نجاح. فقد آلت ثورة الشعب الأوكراني المسماة بالبرتقالية إلى الفشل التام، بصعود القوى الاستبدادية الموالية لروسيا وبسجن أبرز زعمائها يوليا تيموشينكو، وبالعودة للدوران في الفلك الروسي، عوضا عن التوجه إلى أوروبا الغربية والانضمام للاتحاد الأوروبي. ولم يكن أحرار أوكرانيا في حاجة إلا لحافز، وهو ما أمدهم به أحرار مصر بعد الانقلاب العسكري، وما يوم رابعة ببعيد. شرارة الاحتجاجات في أوكرانيا أطلقها رفض الرئيس الأوكراني يانوكوفيتش في نوفمبر 2013 توقيع اتفاقية للشراكة الاقتصادية والسياسية مع الاتحاد الأوروبي، وذلك بضغط من الرئيس الروسي بوتين. تنص الاتفاقية فيما تنص على السماح للأوكرانيين بالسفر في دول الاتحاد الأوروبي دون الحاجة على تأشيرة، وفي المقابل تقوم أوكرانيا بتبني مئات القوانين والضوابط، إضافة إلى برنامج إصلاح واسع. سقوط الضحايا من المحتجين أجج المظاهرات، التي أرادت ألا تأخذ نفس المنحى للاحتجاجات في مصر، فقرروا التصعيد على الفور، وما أن قرروا التصعيد، حتى سقط النظام، في يوم واحد، إليك تفصيله: بات الشعب الأوكراني ليلة السبت الموافق للثاني والعشرين من فبراير 2014 على أزمة كبيرة تنبئ بطول صراع بين الحكومة والمعارضة ولم يتخيل في أكثر أحلامه تفاؤلا أن نهار اليوم ذاته سيكون هو اليوم المشهود، يوم الانتصار لإرادة الشعب. تسارعت وتيرة الأحداث في ذلك بشكل أدهش الجميع. ففي تمام الساعة 9.45 وفي خطوة مفاجئة قدم رئيس البرلمان الأوكراني ريباك استقالته متعللا بأسباب صحية، وهو محسوب على الرئيس الأوكراني يانوكوفيتش الموالي لروسيا، ولم تمر نصف ساعة حتى أشيع أن الرئيس يانوكوفيتش قد غادر العاصمة الأوكرانية كييف. وفي 10.38 شرع البرلمان في دراسة إجراءات عزل الرئيس. الآن الكل يتساءل أين ذهب يانوكوفيتش؟ وكالة رويتر تقول إنه ما زال داخل أوكرانيا. 11.5، أحد المقربين من يانوكوفيتش يعلن أن الرئيس ذهب إلى خاركيف شرقي البلاد ليلتقي ناخبيه وسيجري لقاءات صحفية هناك. 11.13، الداخلية تدعو في بيان لها المواطنين إلى التعاون مع الشرطة لاستعادة الأمن، وتعلن تأييدها للرغبة في التغيير السياسي. ولم يتضح من البيان ما إذا كانت الداخلية في صف الثوار أم ما زالت موالية للرئيس، ولم يستمر الأمر طويلا، إذ أعلنت الأجهزة الأمنية في الساعة 11.31 انضمامها رسميا للثوار. وقد أعلنت في بيانها على الإنترنت أن وزير الداخلية فر من البلاد وأنها في خدمة الشعب وتؤيد مسعاه إلى تغييرات سريعة، ودعت المواطنين إلى توحد القوى من أجل بناء دولة قانون أوروبية ديموقراطية مستقلة بحق. 11.45 انتخاب أليكساندر تورتشينوف، ممثل المعارضة في البرلمان، رئيسا للبرلمان، وهو محسوب على يوليا تيموشينكو، السياسية المعارضة الشهيرة في البلاد، وهي من مواليد 27 نوفمبر 1960 وتولت رئاسة الوزراء مرتين قبل أن يأمر بحبسها القضاء الأوكراني الواقع تحت تأثير يانوكوفيتش منذ 2011، وهي موالية للغرب. 12.26، البرلمان يعلن النائب المعارض أواكوف وزيرا للداخلية لحين تشكيل حكومة ائتلافية جديدة. 12.38، البرلمان يصدر قرارا بتولي تورتشينوف رئيس البرلمان قيادة مجلس الوزراء لحين تشكيل حكومة انتقالية. 12.41، البرلمان يقر أنه لا حاجة إلى تصديق يانوكوفيتش في شأن الإفراج عن يوليا تيموشينكو. 22.51، أحد المقربين من يانوكوفيتش يصرح أن الرئيس موجود في خاركيف وأنه يؤدي مهام عمله طبقا للدستور وأنه سوف يدلي بتصريحات من خلال التلفاز. 12.55 البرلمان يصدر قرارا بالإفراج الفوري عن يوليا تيموشينكو، التي تعالج في مستشفى في خاركيف بسبب آلام في ظهرها، ومؤيدوها يتوافدون عليها متعاهدين على حمايتها. 13.23، الأجزاء الشرقية من أوكرانيا، معقل مؤيدي الرئيس يانوكوفيتش والموالين لروسيا، يعلنون أن الدولة ينبغي أن تظل موحدة، ويشككون في قرارات البرلمان الأخيرة، فيما طالب المحافظون والسياسيون المحليون هناك السلطات بتحمل المسئولية للحفاظ على النظام الدستوري في مناطقهم. وقد دعا بعضهم لتشكيل لجان شعبية للحماية من عنف المتظاهرين الموالين للغرب. 14.25 رؤساء القوات الأمنية الأربعة يوافقون أمام البرلمان على عدم التدخل في الصراع الدائر في البلاد. في هذه الأثناء سرت إشاعات حول رغبة يانوكوفيتش في الاستقالة وإشاعات حول الإفراج الفعلي عن تيموشينكو. وأصبح مقر إقامة يانوكوفيتش مفتوحا لراغبي المشاهدة، ويا عجب ما شاهدوا، بذخ ما بعده بذخ. 15.15، يانوكوفيتش يطل من خلال قناة تليفزيونية ويعلن أن ما حدث هو "انقلاب"، ويحسب بعض وكالات الأنباء الروسية فإنه ليس مستعدا للاستقالة، ولم يغادر البلاد ولن يوافق على قرارات البرلمان الأخيرة. فهو الرئيس الشرعي للبلاد. كما وصف أعدائه بالمجرمين، وأنه لا يخاف، على الرغم من تعرض سيارته لإطلاق نار. 15.37، القوات المسلحة الأوكرانية تصرح على صفحتها أنها على ولائها لواجباتها الدستورية ولن تستدرج للتدخل في الشأن السياسي الداخلي للبلاد. 15.45، لافروف وزير خارجية موسكو يستحث المانيا وفرنسا وبولندا على إقناع المعارضة بقبول ما اتفقوا عليه يوم الجمعة 21. 2.204. وكان وزراء الخارجية قد اتفقوا مع أطراف النزاع على تحديد موعد لانتخابات رئاسية مبكرة، إضافة إلى حكومة انتقالية ودستور جديد، يقلص من صلاحيات الرئيس. 16.18، البرلمان يعفي الرئيس من منصبه بأغلبية 328 صوتا، ويضرب يوم 25 مايو موعدا لانتخابات رئاسية جديدة. بعدها قام أعضاء البرلمان بأداء النشيد الوطني. 16.54، المعارضة السياسية الأشهر يوليا تيموشينكو حرة طليقة بعد ما يربو على السنتين في السجن، وتأخذ طريقها إلى الميدان في العاصمة كييف. بريطانيا ورئيس البرلمان الأوروبي يدعمان تطور الأحداث في أوكرانيا، ووزير خارجية ألمانيا يحذر من انقسام أوكرانيا. مؤتمر الجبهة الأوكرانية في خاركيف يتهم المعارضة بالقيام بانقلاب بمساعدة الاتحاد الأوروبي وأمريكا. وروسيا تنتقد المعارضة. في الثامنة مساء يوليا تيموشينكو تصل إلى الميدان وتم استقبالها كرمز للبطولة والكفاح، وقد أعلنت أنها ستخوض انتخابات الرئاسة. كما دعت أنصارها إلى عدم مغادرة الميدان، حتى استكمال الثورة. ومما قالت "حينما أطلق القناصة رصاصاتهم إلى قلوب أبنائنا، أصابوا قلوبنا معهم، وفيها ما حيينا ستظل هذه الجراح"، وقالت: "إننا إذا ما تركنا هؤلاء الذين أطلقوا رصاصاتهم في قلوب أبطالنا يهربوا من المسئولية، إذا ما سامحناهم، فسيكون عارا علينا أبد الدهر. 21.54 المتحدث باسم حرس الحدود يقول إنه تم منع طائرة على متنها الرئيس الأوكراني المعزول وبعض رجال الأمن المسلحين من الإقلاع. على إثر ذلك استقل يانوكوفيتش سيارة ليموزين مغادرا المكان. ويشاع أنه يسكن في بيت متواضع على نهر دنيبرو بالقرب من كييف، بعد أن كان في القصر المنيف. أقول: اليوم غلب الروم، ولله الأمر من قبل ومن بعد. واليوم فرح المؤمنون، بنصر الله، الذي ينصر من يشاء، وهو العزيز الرحيم. هذا وعد ربكم، الذي لا يخلف وعده، وما النصر إلا صبر ساعة، لو كنتم تعلمون.