قرارات عاجلة من التعليم قبل بدء العام الدراسي غدا    وزير التعليم العالي يكرم رئيس جامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر    دمياط تفتح آفاقا جديدة للشباب بورش عمل وريادة أعمال وخدمات صحية مجانية    الدفاع المدني اللبناني: ارتفاع ضحايا الغارة الإسرائيلية إلى 10 شهداء .. وعمليات الإنقاذ مستمرة    مسؤول أممي: 16 مليون في سوريا بحاجة للمساعدة.. ومعاناة الأطفال تتفاقم    أوكرانيا: مقتل 1340 جنديا روسيا خلال 24 ساعة    الأهلي يختتم تدريباته استعدادًا لمباراة جورماهيا الكيني    أرنولد نجم ليفربول يستهدف شراء نادي نانت الفرنسي    ضبط مركز لعلاج الإدمان بدون ترخيص ببني سويف    أمير رمسيس: صورت فيلم «وسط البلد» في شوارع حقيقية    أحمد التايب لبرنامج المشهد: أمريكا تترك إسرائيل تحقق أهدافها شرط أن لا تتسع الحرب    صبري فواز: الرقابة تتربى داخل كل إنسان ونتماشى مع ما يناسبنا    4 أبراج أقل حظا في شهر أكتوبر.. «الفلوس هتقصر معاهم»    استشارة طبية.. الإمساك المزمن: ما الطريق الصحيح لعلاج نوباته؟    قصائد دينية.. احتفالات «ثقافة الأقصر» بالمولد النبوي    الجناح المصري في معرض Leisure السياحي بموسكو يحصل على جائزة «الأفضل»    خالد عبد الغفار: 100 يوم صحة قدمت 80 مليون خدمة مجانية خلال 50 يوما    طرح الإعلان التشويقي لفيلم "دراكو رع" تمهيدا لعرضه تجاريا    آية الكرسي: درع الحماية اليومي وفضل قراءتها في الصباح والمساء    الجيزة تحتفل بعيدها القومي    تفاصيل التحقيق مع صلاح الدين التيجاني حول اتهامه بالتحرش    على رأسهم صلاح.. أفضل 11 لاعبا للجولة الخامسة من فانتازي الدوري الإنجليزي    "اعتذار عن اجتماع وغضب هؤلاء".. القصة الكاملة لانقسام مجلس الإسماعيلي بسبب طولان    دعاء يوم الجمعة: نافذة الأمل والإيمان    واقف قلقان.. نجل الشيخ التيجاني يساند والده أمام النيابة خلال التحقيق معه (صور)    مصر للطيران تكشف حقيقة وجود حالات اختناق بين الركاب على رحلة القاهرة - نيوجيرسي    روسيا: تفجير أجهزة ال"بيجر" في لبنان نوع جديد من الهجمات الإرهابية    خبير يكشف تفاصيل جديدة في تفجير أجهزة الاتصالات اللاسلكية بلبنان    جمعية الخبراء: نؤيد وزير الاستثمار في إلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية في البورصة    بعد الموجة الحارة.. موعد انخفاض الحرارة وتحسن الأحوال الجوية    ضوابط شطب المقاول ومهندس التصميم بسبب البناء المخالف    وزير الأوقاف يشهد احتفال "الأشراف" بالمولد النبوي.. والشريف يهديه درع النقابة    الإفتاء تُحذِّر من مشاهدة مقاطع قراءة القرآن المصحوبةً بالموسيقى أو الترويج لها    وزير الزراعة يبحث مع المديرة الإقليمية للوكالة الفرنسية للتنمية التعاون في مجال ترشيد المياه والاستثمار الزراعي    خلال ساعات.. قطع المياه عن مناطق بالجيزة    "بداية".. قافلة طبية تفحص 526 مواطنًا بالمجان في الإسكندرية- صور    هذا ما يحدث للسكري والقلب والدماغ عند تناول القهوة    طريقة عمل بيتزا صحية بمكونات بسيطة واقتصادية    بتكلفة 7.5 مليون جنيه: افتتاح 3 مساجد بناصر وسمسطا وبني سويف بعد إحلالها وتجديدها    البيت الأبيض: الجهود الأمريكية مستمرة للتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار    مفتي الجمهورية يشارك في أعمال المنتدى الإسلامي العالمي بموسكو    البورصة المصرية تربح 22 مليار جنيه خلال أسبوع    لجنة "كوبرا" بالحكومة البريطانية تبحث تطورات الوضع فى لبنان    خبير تربوي: مصر طورت عملية هيكلة المناهج لتخفيف المواد    سوء معاملة والدته السبب.. طالب ينهي حياته شنقًا في بولاق الدكرور    الأنبا رافائيل: الألحان القبطية مرتبطة بجوانب روحية كثيرة للكنيسة الأرثوذكسية    رئيس جهاز العبور الجديدة يتفقد مشروعات المرافق والطرق والكهرباء بمنطقة ال2600 فدان بالمدينة    «الداخلية» تنفي قيام عدد من الأشخاص بحمل عصي لترويع المواطنين في قنا    أزهري يحسم حكم التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين وطلب المدد منهم    عبد الباسط حمودة ضيف منى الشاذلي في «معكم».. اليوم    استطلاع رأي: ترامب وهاريس متعادلان في الولايات المتأرجحة    تراجع طفيف في أسعار الحديد اليوم الجمعة 20-9-2024 بالأسواق    رابط خطوات مرحلة تقليل الاغتراب 2024..    معلق مباراة النصر والاتفاق في الدوري السعودي اليوم.. والقنوات الناقلة    نجم الزمالك السابق يتعجب من عدم وجود بديل ل أحمد فتوح في المنتخب    حبس سائق ميكروباص تسبب في مصرع طالبة بعد دهسها في أبو النمرس    ليس كأس مصر فقط.. قرار محتمل من الأهلي بالاعتذار عن بطولة أخرى    مصطفى عسل يتأهل لنصف نهائي بطولة باريس المفتوحة للإسكواش 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الملاك والجرذان: الشعب الليبي الذي أنكر الجميل!
نشر في المصريون يوم 03 - 03 - 2011

معمر القذافي ليس زعيماً عادياً؛ إنه زعيم فريد في كل شيء: خطاباته، هيئته، هندامه، تفكيره، وقدرته على المناورة. إنه ليس رجلاً مؤدلجاً، بل براغماتياً. لقد انقلب على الملكية عام 1969 وكان عمره آنذاك 27 عاماً، واستطاع، في غفلة من التاريخ، أن يبسط سيطرته على بلد كبير وغني بالثروات ويتمتع بموقع إستراتيجي في الشمال الإفريقي. يقول القذافي إنه لا يؤمن بالديموقراطية؛ لأنها تعني "ديمومة الكراسي"، وهو ما لا ينطبق على كرسيه العتيق، لسبب واحد هو أنه جاثم على ذلك الكرسي (أو "مقعمز" كما تقول اللهجة الليبية المحببة) لسلطته الأدبية وقيادته الرمزية لا غير. ليس للولي الزعيم (على غرار الولي الفقيه) منصب يتنحى عنه، إنه يمثل مصدر إلهام يهتدي به الشعب الليبي.
لكن هذا الشعب ليس حاضراً أبداً في خطاب القذافي، ويهيمن شخصه فقط على مفردات الخطاب: "أنا المجد..مجد العرب وإفريقيا وأميركا اللاتينية..".."أصبح الليبي يشار إليه بالبنان، بعد أن كان الليبي ليست له هوية، فعندما تقول: ليبي يقولون لك: ليبيريا؟ لبنان؟ لا يعرفون ليبيا. أما اليوم عندما تقولون ليبيا، يقولون لكم: آه ليبيا القذافي؛ ليبيا الثورة". إذن وحده معمر القذافي صانع الحياة، وواهب النماء وراسم الهوية، هو لحمة المجتمع وسداه، وهو صمام أمانه من الفوضى؛ هو المجد ذاته، وهو ليبيا التي لم تكن شيئاً مذكوراً قبل "الفاتح"؛ قبل "معمر" الذي رفع ذكرها، وصنع منها رمزاً للثورة العالمية. لا وجود للشعب الليبي أصلاً في خطاب القذافي، إلا حين يشير إليه بوصفه عصابات متطرفة أو منخرطة في احتراب فوضوي ولا عقلاني. لا..إنه يذهب أبعد من ذلك واصفاً الشعب الثاثر من بنغازي إلى طرابلس بأنهم "جرذان" جلبوا العار إلى ليبيا، ولذا فهم يستحقون الإبادة، وهو ما عناه بالضبط عندما استخدم مفردة "تطهير" الأراضي الليبية من فلول القاعدة الذين يريدون "صوملتها"، ومن "شذاذ الآفاق المأجورين..القطط والفئران التي تقفز من شارع إلى شارع؛ ومن زنقة إلى زنقة، في الظلام". كيف لزعيم ثورة أو الأب المؤسس لأمة أن يصف شعبه بأنه حفنة من الجرذان والقطط. هذا هو خطاب "الثورة" التي جاءت افتراضاً لتحرر ليبيا من الإمبريالية ومن الحكم المطلق، فعادت أسوأ من الاحتلال الأجنبي، وأسوأ من أي أي نظام شمولي، وأسوأ من أي ملكية في التاريخ؛ ذلك لأن القذافي هو "ملك ملوك" إفريقيا بأسرها، وأبناؤه يتولون "كتائب" أمنية عقيدتها القتالية هي ذبح الشعب/الجرذان.
لكن نظرة القذافي الدونية إلى الشعب الليبي ليست وليدة الثورة الشعبية ضد حكمه البائس الذي ذرّف على الأربعين، ف "زعيم الثورة" وصف الليبيين مراراً بأنهم "بهائم"، وقال إنه حزين لأنه يقود شعباً غبياً لا يرقى إلى مستوى تفكيره "الملهم". القذافي يرى نفسه "كثيراً" على الشعب الليبي وعلى إفريقيا وعلى العرب، وهو إذ يرفض بشدة التنحي عن منصبه، أو الاستسلام أمام هدير الثورة الشعبية وعنفوانها إنما يعبر عن حال من الإنكار، حال من عدم التصديق؛ إذ كيف يمكن لشعب من "البهائم" أو "الجرذان" أن يقلب ظهر المجن لقائد وهبه الكرامة وعلمه بناء المجد حتى أخذ إمرة الكون اغتصابا، كما يخبرنا. يسأله جيرمي بوين، مراسل بي بي سي عن إمكانية رحيله إلى بلد آخر، فيقهقه متهكماً ويقول: فيه أحد يترك بلاده؟ كانت ضحكته هستيرية وممزوجة بالتحدي، وربما بشيء من "الهلوسة" التي رمى بها شعبه. أجل، ربما انطبق على العقيد وابنه سيف ما رميا به الليبيين، كما يقول المثل العربي: "رمتني بدائها وانسلت". القذافي يريد "الجماهيرية" التي ابتدعها من دون جماهير، إنه يريد ليبيا "حرة" من أبنائها، ويعد بنقلها إلى مرحلة ما بعد الجماهيرية، أو "الجماهيرية الثانية".
هل يذكرنا معمر العربي برادوفان كرادجيتش الصربي؟ إنه الوجه الكالح ذاته؛ الملامح المتجهمة نفسها؛ الكذب المتوحش عينه؛ القتل الجماعي بدم بارد؛ الاستعداد التام لارتكاب المجازر، الإنكار المستمر لأي عمليات قتل؛ الدعوة بكل صفاقة إلى تقصي الحقائق وكأن شيئاً لم يكن. لنتذكر أن السفاح كارادجيتش طبيب نفسي معتوه، بينما القذافي مريض عقلياً ونفسياً في آن، وهناك أنباء عن احتمال لجوئه إلى صربيا، لتصبح المقارنة صارخة بشكل جلي.
يرفض القذافي في خطابه أي ربط بينه وبين بنعلي ومبارك؛ لقد بنى ليبيا "طوبة طوبة" كما يقول، ولا يمكن أن يجازى إحسانه إلا بالإحسان. يقدم نفسه بوصفه ضحية أهدى شعبه كل شيء، فإذا بالشعب ينكر الجميل. يزعم أنه حفيد عمر المختار الذي جسد رمز المقاومة للمحتل الإيطالي، غير أن استدعاء ذكرى المختار، واستلهام جهاده، والتغني بصيحته: "نحن لا نستسلم: نموت أو ننتصر"- هي المعاني التي تغذي الثورة في أرواح الشعب الذي يقاوم همجية "الزعيم" ودمويته. الليبيون يعيدون رسم المشهد الذي تم قلبه وتشويهه منذ الاستقلال. تحرير ليبيا من الإيطاليين لم يكتمل، وسيادتها لم تزل مغتصبة ومصادرة.
لكن حال الإنكار التي يتخبط فيها القذافي لن تدوم طويلاً، وصيحات الثوار وهم يرفعون علم ليبيا المختار تقترب شيئاً فشيئاً من قلعته المحصنة بباب العزيزية في طرابلس: "قولوا لمعمر وعياله، ليبيا فيها رجاله". ولا ريب أن معمر و"عياله" قد علموا الآن أن دم المختار لم يذهب هباء، وأنهم كانوا كاذبين.
* أستاذ جامعي وصحافي من السعودية
www.saudiyoun.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.