لعل الأحداث المتسارعة في ليبيا وأسلوب البطش الذي يستخدمه القذافي ضد الشعب الليبي والجرائم التي ترتكبها قوات المرتزقة الأفارقة, قد غطت على ثورة لا تقل عظمة في الشطر الآسيوي العربي , وربما تكون أولى الثورات التي تطيح بنظام الحكم في ذلك الجزء المهم , ألا وهي الثورة اليمنية ضد نظام الفساد والاستبداد المتشدق كذلك بشعارات ثورية أكل الزمان عليها وشرب . اليمن ذلك البلد العربي الجميل وبيت جد العرب كما يقال , فالعربي الصميم يفتخر أنه ينحدر من اليمن , اليمن بأغلب مناطقه العذراء لن يكون إلا حرا, فهو البلد الذي تكسرت على جباله الشم كل الغزوات وظل عصيا على جميع الغزاة ومقبرة للكثيرين منهم , ولذلك لعبت عوامل مختلفة في عزله عن محيطه العربي منها جغرافية , وأخرى صراعات سياسية أدت بحكامه أن يعزلوا اليمن عن الاتصال بالعالم الخارجي . الشعب اليمني يخوض الآن ثورة على الثورة , فمنذ زوال الإمامة وصولا إلى استلام الرئيس الحالي قيادة اليمن الشمالي ومن ثم الوحدة مع الجنوب , لم ينعم الشعب اليمن بالراحة ولم يتمتع بسحر طبيعته الخلابة, ولم يفد من ثرواته الهائلة , ولم يكن للعبقرية اليمنية المشهودة لها عالميا مكان على خارطة اليمن الحديث . فقد تحمل اليمنيون الكثير فبعد الوحدة الاندماجية بين الشمال والجنوب , والتي أثبتت الأيام أنها وحدة انفعالية لم تقم على أسس صحيحة تؤمن لها الاستمرارية والديمومة وتكون أنموذجا يحتذى به عربيا , كان مأزق الكويت حيث دفع الشعب اليمني الثمن باهظا من خلال العقاب الجماعي للعمالة اليمنية في الخليج , ومن ثم كانت مشكلة الحزبين اللذين صنعا الوحدة والتقاتل الذي حسم عسكريا لصالح الشمال , وفي حين أبدى الرئيس صالح حرصه على الوحدة كان صمته أغرب عندما اجتاحت زوارق بحرية اريتيرية جزيرة حنيش ليحيل الأمر إلى التحكيم الدولي ..! كانت الوحدة حلما داعب مخيلة اليمنيين طويلا ولكن الوحدة لم تنقل الشعب اليمني نحو الرخاء ولم تعد اليمن يمنا سعيدا كما كان , ولم يكن لتدفق النفط أن ينتشل اليمن من مشكلاته الاقتصادية المعقدة , ولم تلعب الطبيعة الفاتنة دورا في الجذب السياحي , ولم يكن تحالف صنعاء مع الغرب في محاربة ما يسمى الإرهاب إلا وبالا على الشعب اليمني . لقد ساهم النظام في تعقيد ملفات كان حلها أقل تكلفة , ومنها إهمال الضباط الجنوبيين وتركهم دون موارد مالية بذريعة مشاركتهم في حرب الانفصال رغم طلبات كثيرة قدمت للنظام وتجاهلها حتى تفجر الحراك اليمني الذي قاده هؤلاء , كذلك دخول النظام في حروب متعددة مع الحوثيين وهم صنعوا على عينه قبل أن ينقلب عليهم , ويدخل في صراع مسلح معهم , وفي الحرب الأخيرة تعددت أطراف الصراع بين دخول مباشر وغير مباشر بين قوى إقليمية شتى وفي كل حرب استنزاف لليمن وبقاء الحال على ما هو عليه أو تحت بند لا غالب ولا مغلوب . اليوم يتهم صالح أن ما يحدث يدار إسرائيليا ومن البيت الأبيض , وكأن صالح يخوض حربا لتحرير اليمن من معتد خارجي , بل نسي الرئيس أن الطائرات الأمريكية المسيرة هي من تقتل أبناء اليمن بموافقته تحت ذريعة محاربة القاعدة والإرهاب , وأن أمريكا قد زادت معونتها المالية للمخابرات اليمنية منذ مدة غير بعيدة بذريعة محاربة القاعدة فكيف تدير أمريكا ما يحدث في اليمن ..؟ ولأن الرئيس اليمني اعتاد على لغة الشعارات فقد عزف على وتره القديم ولكن السؤال هل أمريكا هي التي أوعزت لحفاء الرئيس من القبائل ومن قاموا بحمايته من وصول الحوثي إلى كرسي الرئاسة بالانسحاب والانضمام للجماهير ..؟ أم أنها اتصلت بعدوها الدكتور الزنداني ..؟ أم بالآلاف الذين يطالبون برحيل النظام ..؟ ولعل الرئيس اليمني أراد أن يغير من أسلوب الرؤساء الذين أزاحتهم الثورات الشعبية فلم يعزف على وتر القاعدة ووصول الإسلاميين إلى الحكم وجعل اليمن إمارات تتبع أسامة بن لادن ..! لقد صنع الرئيس اليمني أزمته بيده من خلال الفساد والنهب المنظمين ووضع أفراد أسرته على أهم مفاصل الدولة , وكذلك سعيه للتوريث , وهو قد اعترف أن التوريث قد انتهى في اليمن وأنه مل السلطة كما ادعى وهو يريد حكومة وحدة وطنية , إن كل تنازلات النظام لم تعد تجد نفعا ولن ينتظر الشعب اليمني الانتخابات القادمة ولن يسعى اليمنيون في شرذمة اليمن لأن الشعب سوف يتخطى كل حقول الألغام التي صنعها النظام في اليمن ويريد أن ينتقل إلى حياة الحرية وتداول السلطة ولن يرضى عن ذلك بديلا , فالظلم الذي ساد اليمن هو من وحد المطالب وهو من وحد الجماهير الداعية إلى التغيير . زلزال اليمن هو الثاني عمليا بعد تونس لأن هذا الزلزال جاء في القسم الآسيوي في العالم العربي وقد تزامن مع احتجاجات في البحرين والجارة عُمان وإذا كانت مطالب المحتجين في البحرين وعُمان في ملكية دستورية فإن مطالب اليمن تصب في التغيير الشامل , هذه المتغيرات تحيط بالمملكة العربية السعودية من ثلاث جهات إضافة إلى الجهة الرابعة المتمثلة بالمطالبة بالإصلاح في الأردن وكذلك العراق , أي أن جوار السعودية غير مستقر سياسيا وأي تغيير ناجح كما هو مرحج في اليمن فإن دائرة الزلزال ستتسع نحو الدولة الأكبر خليجيا .