بعد أكثر من أربعين عاماً على رحيل الرئيس السابق جمال عبدالناصر، يُحضّر لتحويل بيته الذي عاش فيه طوال فترة حكمه إلى متحف يضم مقتنياته الشخصية. وكان بيت الزعيم الراحل، وهو من أملاك الدولة، خصص لإقامة أسرته بعد وفاته بناء على مرسوم حكومي. ثم آلت ملكية البيت إلى الدولة مرة أخرى بعد رحيل زوجته السيدة تحية في عام 1990، ليظل البيت مهجوراً ويعاني من الإهمال الشديد حتى صدور قرار جمهوري في عام 2007 بتحويل البيت إلى متحف، إلا أن هذا القرار الأخير لم ينفذ هو الآخر. وظلت المتعلقات الشخصية للرئيس الراحل والتي قدمتها أسرته للدولة، معروضة بعد ترميمها في إحدى الغرف الصغيرة داخل مبنى دار الكتب والوثائق المصرية حيث كانت تُعرض القطع بالتناوب نظراً الى ضيق المساحة. وبعد الانتهاء من تجهيز المتحف ستنقل المقتنيات للعرض فيه. وعبّر الفنان صلاح المليجي رئيس قطاع الفنون التشكيلية المصري، وهو الجهة التي تتولى مسؤولية إعداد المتحف، عن سعادته بالبدء في هذا المشروع. وقال في بيان وزّع على وسائل الإعلام: «إنه شرف كبير لقطاع الفنون التشكيلية المصري أن يقوم بأعمال تحويل منزل الزعيم جمال عبدالناصر من خلال جهاز مشاريع الخدمة الوطنية، ليكون متحفاً يضم بين جنباته جزءاً مهماً من تاريخ مصر الوطني، ويحكي ويسرد تاريخ الزعيم الراحل وما قدمه للأمة العربية طوال فترة حكمه». يقع المنزل في منطقة منشية البكري شرق القاهرة، على مساحة إجمالية تزيد على 13 ألف متر مربع، وهي تشمل مبنى من دورين على مساحة 1300 متر، بينما خصصت المساحة المتبقية للحديقة. وتنقسم خطة العمل في الموقع إلى ثلاث مراحل، خصصت الأولى منها، والتي بدأت بالفعل قبل أيام لأعمال الترميم والإنشاءات والشبكات، والمرحلة الثانية خصصت للتشطيبات النهائية. أما المرحلة الثالثة، فهي لتجهيز العرض المتحفي، وسيستغرق العمل بهذا المشروع في تقدير مبدئي حوالى عامين ونصف العام. واستعرض المهندس كريم الشابوري مستشار المشروع أعمال التوثيق الخاصة بالمبنى والتي تشمل فيلماً قصيراً يوثق الحال الأصلية للمبني في عهد الزعيم جمال عبدالناصر وما كان يتضمنه من أثاث ومنقولات، والتي ستتم إعادتها إلى حالتها الأصلية كجزء من سيناريو العرض. وعرض الشابوري تقريراً عن سلامة المبنى وأعمال الترميم والتدعيم والمعالجات الخاصة بالعناصر الإنشائية المتضررة بفعل الزمن. كما استعرض القاعات التي سيُحافظ عليها لأهميتها التاريخية ولكونها جزءاً من سيناريو العرض، وهي تشمل مكتبي الرئيس بالدورين الأرضي والأول، والصالونات المُلحقة بهما والصالونات الرئيسة وجناح النوم الخاص بالرئيس وملحقاته وصالة الاستقبال وغرفة المعيشة. وسيشمل سيناريو العرض المتحفي ثلاثة مسارات متحفية، المسار الأول خاص بالفراغات الخاصة بالمنزل، إضافة إلى بعض المقتنيات الشخصية الخاصة بالرئيس عبدالناصر. أما المسار الثاني فيعتمد على عرض متعدّد الوسائط يوثق لتاريخ مصر والأحداث المهمة التي مرت فيها خلال عهد الرئيس عبدالناصر من بداية «ثورة 1952» مروراً بمشروع السدّ العالي وتأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي والوحدة بين مصر وسورية و «حرب 67» إلى حرب الاستنزاف، وغيرها من الأحداث التاريخية حتى وفاة «الريّس». وسيعتمد العرض داخل المتحف، كما يقول الفنان المليجي على وسائط متعددة من تسجيلات نادرة وأفلام وثائقية وخطب تاريخية ووثائق مرتبطة بهذه الأحداث جميعها. كما يشمل عدداً من الملحقات المساعدة كالمكتبة المختصة التي من المقرر أن تحوي كل الكتب والأبحاث والمواد السمعية والبصرية التي توثق لحياة الرئيس عبدالناصر وتاريخ مصر في هذه الحقبة. وبين المقتنيات التي من المزمع عرضها، أجهزة عرض سينمائية وساعات مكتب و «فازات» وتمثال للزعيم الراحل صنعه أحد أهم المثالين المصريين الفنان جمال السجيني. وبين المعروضات أطقم الشاي والقهوة الخاصة بالرئيس وصوانٍ وأطباق فضية وعلب صدف وقطيفة، إضافة إلى الأوسمة والنياشين والهدايا التي تسلمها طوال فترة حكمه من دول عدة. وتضم تلك الهدايا قطعة من كسوة الكعبة وخنجراً ذهباً مرصعاً بالحجارة الكريمة كان هدية من الملك فيصل بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية. ومن بين المعروضات أيضاً كاميرا تصوير كان يستخدمها عبدالناصر بنفسه في المناسبات الأسرية. وتعرض أيضاً نماذج من ملابسه ونظارته وعلبة سجائره الفضية، ومجموعة كبيرة من كتبه وأوراقه الخاصة التي كتبها بخط يده، والتي تضم ملاحظات وتوجيهات كثيرة كان يدوّنها خلال حضوره المؤتمرات العربية والأفريقية وقمم دول عدم الانحياز وجلسات مجلس الوزراء. وتضم الأوراق كذلك خطباً وكلمات كتبها بين عامي 1935 و1970، ومن بينها مسودة لخطبة قالها في إحدى التظاهرات وهو في السابعة عشرة من عمره، عندما فُصل من مدرسة النهضة في القاهرة بسبب نشاطه السياسي. ومن بين الأوراق كذلك بعض قرارات لمجلس قيادة الثورة متعلقة بمصادرة أموال أسرة محمد علي، وقرار رئاسي برد أملاك أسرة الزعيم أحمد عرابي لورثته.