هذا النص الذي أقدمه هو بيان صادر من الزميلة المحترمة عبير السعدي ، عضو مجلس نقابة الصحفيين المصريين ، وواحدة من أكفأ وأخلص من خاضوا العمل النقابي ، بشهادة زملاء من كل الاتجاهات الفكرية والسياسية ، عبير قررت تجميد عضويتها في مجلس نقابة الصحفيين تمهيدا للاستقالة ، بسبب الأجواء الخطيرة المحيطة بالمهنة حاليا في ظل النظام البوليسي الجديد الذي عاد بالحريات في مصر إلى أسوأ من عهد مبارك الذي قمنا بالثورة عليه ، احتجاج عبير موجه بالأساس إلى أداء مجلس النقابة الذي وصفته بالضعيف أمام الهجمة الرسمية والأمنية الشرسة على المهنة ، لكني أعتقد أن بيانها هو إدانة لعصر بكامله وللنظام السياسي بكل تفاصيله ، تقول عبير : زملائي وزميلاتي: تابعت ومعي قطاعات واسعة من أبناء المهنة الانتهاكات المتصاعدة لحرية الصحافة وحقوق الصحفيين خلال الفترة الأخيرة، والتي انعكست آثارها السلبية على أجواء العمل الصحفي فى مختلف المواقع، وشكلت نوعًا من الترويع والترهيب للجماعة الصحفية، وعصفًا بالضمانات الدستورية والقانونية المقررة لمهنتنا النبيلة. ويكفى أن نتذكر فى هذا المقام أننا فقدنا أرواح ثمانية من زملائنا في أقل من خمسة أشهر، وأن مرتكبى هذا المسلسل الدموى البغيض لا يزالون مطلقى السراح، وأن جهات التحقيق لا تزال تتوانى عن ملاحقتهم وتقديمهم إلى العدالة، يكفى أن نحصى الإصابات التى لحقت بعشرات آخرين لا ذنب لهم سوى القيام بواجبهم المهنى، وأن نسترجع وقائع الاعتقال والاحتجاز غير القانوني وتلفيق التهم والتعدي بالضرب والإهانة و تحطيم المعدات و الكاميرات بهدف التعتيم على الأحداث وحرمان الرأي العام من حقه الثابت فى المعلومات والمعرفة. وأخيرًا توجت هذه الانتهاكات بتوجيه اتهامات قضائية وإصدار قرارات إحالة إلي محاكم الجنايات لكبار الصحفيين المشهود لهم بالنزاهة والمهنية، والمثال الأبرز علي ذلك إحالة الكاتبة الصحفية تهاني إبراهيم مع الزميلين مجدي سرحان رئيس تحرير الوفد ووجدي نور الدين مدير التحرير إلى المحكمة بتهمتي السب والقذف وإهانة القضاء بعد مقال حثت فيه وزير العدل، الذي خلع وشاح القضاء بالفعل بتوليه منصبًا تنفيذيًا، على الرد على ما ذكره رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات بشأن تلقى الوزير مكافآت مبالغًا فيها اعترف بتلقيها في ما بعد. لقد شكلت كل هذه الانتهاكات والممارسات ظاهرة صادمة وغير مسبوقة فى سجل العمل الصحفى، غير أنها مع ذلك لم تكن كافية لإشعار مؤسستنا النقابية بالخطر، ولم تدفعها للتحرك الجماعى من أجل تطويقها ومحاسبة المسئولين عن قتل الصحفيين وتهديد حياتهم وسلامتهم ، وكان ذلك بمثابة صدمة أخرى لى وللعديد من أبناء المهنة، إذ كيف يتسنى للنقابة العريقة والحصن الأول للحريات التى تصدت لكل طغيان فى مختلف العهود أن تئول الى هذا الموات النقابي غير المبرر، وكيف تقنع بدور رجل إسعاف قليل الحيلة وأن لا تجد ما تتباهى به سوى أنها تقوم بتشييع جثامين الزملاء الى مثواهم الأخير، أو أنها تجرى الاتصالات لإطلاق سراح المحتجزين منهم وتقدم الاعتذارات اللازمة لذوى الشأن من المسئولين. في ظل هذه الأجواء والتحولات التى تنذر بعواقب وخيمة، آليت على نفسى إلا أن أدق ناقوس الخطر لتنبيه الغافلين سواء كانوا فى قمة الهرم النقابى أو فى قاعدته، ومن هذا المنطلق شاركت في الاجتماع الأخير لمجلس النقابة حيث أثرت فيه كل شجون وهموم الجماعة الصحفية إزاء تلك الانتهاكات والممارسات المسكوت عنها، وأكدت للنقيب وزملائى أن التاريخ لن يرحمنا إذا ما استمر الصمت على مايجرى، وإذا ما استمر انتهاك كرامة المهنة وفرض الترويع علي أبنائها على مرأى ومشهد من الجميع حتي أصبحنا المكان الأخطر للصحفيين وفق التصنيفات العالمية. الزملاء والزميلات.. لست قادرة على الاستمرار في مهزلة ترفع شعار حماية الصحفيين، في الوقت الذي لا نستطيع فيه تأمين الحد الأدنى اللائق بكرامة الصحفيين وسمو مهنتهم، كما أننى لا أقبل الدفاع عن أداء باهت فى غياب تحرك نقابي منظم وقوي يتناسب مع الخطر المحدق بالمهنة و ممارسيها. انتهت رسالة الزميلة عبير السعدي ، مع اختصار بسيط لسطور تتعلق بخصوصية المهنة والنقابة وقد لا تهم الرأي العام ، وأترك لضمير القارئ وللمؤسسات الحقوقية المحلية والدولية المهتمة بقضية حرية الرأي والتعبير وحماية مهنة الصحافة تقدير مستوى الخطر الذي أتى عبر شهادة شخصية صحفية ونقابية لا يتطرف الشك في تجردها وبعدها عن الحسابات السياسية الحالية .