البعض يتشكك في حقيقة موقف رجل الأعمال نجيب ساويرس من ثورة ميدان التحرير. رغم أنه أحد أبرزالمستفيدين من الزواج الباطل بين السلطة والمال خلال حقبة جمال مبارك، فقد انضم إلى الثوار وعايشهم داخل الميدان وأشرف على الإذاعة التي تتحدث باسمهم. في الوقت نفسه نجد قنواته الفضائية تتخذ موقفا معاكسا أو رماديا في أحسن الأحوال. نشاهد في لقاءاتها المختلفة نفس الاتهامات التي يكيلها تلفزيون النظام للشباب بأن حركتهم بدأت بريئة يوم 25 يناير ثم ركبها المتآمرون من الداخل والخارج، وهو اتهام يزيد الشباب الثائر تصميما على مطلبهم لاسقاط النظام الذي يقاتل على جميع الأصعدة لتلويث ثورتهم والمناورة عليها عبر استغلال من يصطلح على تسميتهم بالقوى السياسية والحكماء. نجيب ساويرس.. الملياردير الذي كبرت وتمددت ثروته في ظل الامتيازات الضخمة التي منحت لرجال الأعمال، وشقيق "أنسي" شريك وزير السياحة السابق زهير جرانة في معظم مشاريعه، صار ثائرا معتصما، بل ووزير إعلام للثوار.. وعلى الناحية الأخرى يتبارى كبار كتاب صحيفته "المصري اليوم" في الإساءة للثورة وتوجهات شبابها، ومن ضمنهم كاتب لعمود يومي أصر وأقسم في إتصال مطول مع قناة إخبارية على أن شباب ميدان التحرير كلهم من الإخوان المسلمين. كان ذلك في الوقت الذي بدأ فيه مسيحيون ثائرون صلاتهم بعد انتهاء زملائهم المسلمين من صلاة الجمعة. ولم يتراجع الكاتب عن رأيه وهو يسمع على الهواء عبر القناة التي كان يتحدث فيها، خطيب الجمعة في ميدان التحرير يؤكد أنها ثورة المسلمين والمسيحيين معاً. ولا أظن أن الكاتب لا يعلم أن ساويرس "المسيحي" الذي يمنحه راتبه.. معتصم مع الشباب ويردد نفس هتافهم "الشعب يريد إسقاط النظام"! لا أريد التشكيك في ساويرس وعواطفه نحو الشباب، ولكني حائر حقاً ومتسائل ولا امتلك رؤية واضحة، خصوصا مع ذلك الانفصام الواضح بين توجهه الظاهر من أقواله وتصرفاته الحالية وبين وسائل الإعلام لتي يمتلكها.. هل يجوز أن تكون له شخصيتان أو وجهان أو رأيان في وقت واحد؟!.. وهل لا يملك من يضحي براحته للاعتصام مع الثوار، أن يوجه إعلامه النافذ والقوي لحشد التأييد لها، بدلا من إشرافه الصوري على إذاعة لا يسمعها سوى المحتجين في ميدان التحرير. أتمنى أن يصل هذا المقال إلى نجيب ساويرس وإلى الشباب في ميدان التحرير ليأخذ حذره على الأقل، خصوصا أنه – أي ساويرس – ما زال نافذا في السلطة وقد لعب ذلك النفوذ دورا في الإفراج عن المدون وائل غنيم أمس، وكان ساويرس أول من أعلن أنه حصل على وعد بذلك. وعندما شكك شباب ميدان التحرير عبر موقع "تويتر" في أن يكون قد أفرج عن وائل غنيم بالفعل بعد أن أذاعت وسائل الإعلام خبر إطلاقه وتوجهه إلى ميدان التحرير في الوقت الذي حدده ساويرس، بل وقالت الناشطة إسراء عبدالفتاح أنها لم تره بعد.. كان ذلك في الرابعة والثلث عصر أمس بتوقيت القاهرة، اتصلت بنفسي بنجيب ساويرس لأعرف منه، بدا كأنه تلقى سيلا من الاتصالات من غيري تسأله نفس السؤال، فأجاب بضيق شديد وتوتر: "يا جماعة اصبروا.. ده لسه خارج .. كلمني بعد خمس دقائق بعد أن أكون عملت اتصالاتي"! أتمنى أن يكون ضمير وقلب نجيب ساويرس مع ثورة الشباب وأدعو الله أن يسكت وساوسي وأن تكون مجرد "وسوسة شيطان". أنا الآن في السادسة والنصف مساء بتوقيت القاهرة، أي بعد ساعتين ونصف من موعد الإفراج عن وائل غنيم، والشباب على "تويتر" ما زال يكتب أنه لم يفرج عنه ولم يصل إلى ميدان التحرير، مع أن الخارجية الأمريكية أذاعت خبرا عاجلا تؤكد فيه الإفراج. أما ساويرس فقد وضع بريدا صوتيا على هاتفه! الوساوس في صدري تزيد خصوصا بعدما اكتشف شباب ميدان التحرير أن الأمن وضع شرائح تجسس في هواتف زملائهم المعتقلين الذين انضموا إليهم بعد الإفراج عنهم! [email protected]