تحدث السيد عمر سليمان نائب الرئيس أمس كما لو كان وزيرا للداخلية ، اللغة التي تحمل مفردات المندسين والمؤامرة وأصحاب الأجندات الخاصة والأحزاب ذات المصالح ، هذه لغة عقيمة وسوداوية ، وكانت أحد أسباب الثورة التي تعيشها مصر الآن ، كما أن الدفاع الجزافي عن المؤسسة الأمنية دون أي تحفظ على مجمل الجرائم التي ارتكبتها أجنحة تابعة لها طوال الأسابيع الماضية ، والحديث عن أنه سوف يوكل إليها تعقب من شاركوا في احتجاجات ميدان التحرير ومحاسبة من شارك في تلك "المؤامرة" ، هذا الحديث الذي قدمه نائب الرئيس أمس كان سيئا للغاية ، ويكشف عن غياب الحس السياسي عنه ، بقدر ما كشف عن ارتباك وعدم وضوح رؤية عندما ينسب إلى بعض القوى المشاركة في "المؤامرة" بينما يؤكد على دعوة نفس هؤلاء إلى الحوار من أجل المستقبل . وربما يكون هذا الارتباك عائدا إلى أن الرجل ما زال يعيش في ظل مبارك ويتحدث بلغته ويتحرك وعينه على ردات فعله ، بمعنى أنه لا يملك صلاحيات حقيقية تتيح له تحمل مسؤوليات كلامه والتزامه والبرنامج الإصلاحي المزعوم ، أضف إلى ذلك المراوغة التي تحدث بها عن الفضيحة التي شاهدها العالم كله أول أمس بالحشود الوحشية المنسقة في هجوم دموي على ميدان التحرير ، وحديثه المتذاكي بأنه سوف يحقق في من تسبب في هذه الأحداث ومن الذي تحرش بالآخر هل هم المعتصمون بداخل الميدان أم المتظاهرين الذين أتوا إليهم من المهندسين ومناطق أخرى ، هذا هراء واستخفاف بالعقول ، ولا يمنح الشعب أدنى قدر من الطمأنينة تجاه أفكار الرجل وحديثه عن الإصلاح . أضف إلى ذلك أن كل ما قدمه عمر سليمان ، ومن قبله مبارك نفسه ، حتى الآن مجرد عصافير على الشجر ، رحيل مبارك طلبوا فيه وقتا بدعوى كرامة الرئيس ، رحيل البرلمان المزور طلبوا له وقتا بدعوى الحاجة إلى إصلاحات تشريعية ولو عبر البرلمان المزور التعديلات الدستورية طلبوا لها وقتا بدعوى الحوار ، إطلاق حزمة من التعديلات والإجراءات الفورية بحرية الصحافة حرية إنشاء الأحزاب وإلغاء قانون الطوارئ ليست على بال نائب الرئيس ، فعلى أي أساس ينهي الشعب احتجاجه ، لمجرد وعود ، ثم لما ووجه بفقدان الثقة قال أنه يعرف الرئيس مبارك وعاش بجواره عشر سنوات ويعرف أنه يصدق في التزامه ، والحقيقة أننا عشنا مع مبارك ثلاثين عاما ، ولم نجده يلتزم بشيء يقوله ، وهو الذي قال عندما تولى السلطة أنه لن يبقى لأكثر من فترتين ، ثم حنث بوعده وبقي حتى الدورة السادسة . ولذلك أتصور أن الأمور في مصر تتجه إلى حائط السد والشلل التام الذي تسبب فيه تشبث مبارك بالسلطة ووضعه الدولة على حافة الخطر ، ولم يعد هناك من سيناريوهات للخروج من الانسداد السياسي إلا عبر أحد طريقين : الأول : تنحي مبارك عن السلطة بأي صيغة يراها مناسبة ، أو صدور قرار من مبارك عاجل بتفويض صلاحياته كاملة كرئيس للجمهورية إلى نائبه ، ورفع يده عن التدخل في أي من شؤون الدولة طوال الأشهر المتبقية والتعهد بذلك امام الشعب والمجتمع الدولي والمؤسسة العسكرية ، وأن يطلق نائب الرئيس على إثر ذلك حزمة إصلاحات عاجلة وسريعة وناجزة في أرض الواقع ، تتمثل في حل البرلمان بمجلسيه والدعوة إلى انتخابات جديدة ، وتشكيل هيئة دستورية تصوغ دستورا جديدا للبلاد يتم عرضه على البرلمان الجديد فور تشكله ، وحل الحكومة الجديدة التي هي امتداد حقيقي للسابقة ، وتشكيل حكومة وحدة وطنية من شخصيات مستقلة وتحظى بالقبول العام تكون هي المنوط بها إدارة شؤون المرحلة الانتقالية بما فيها إدارة الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية ، وإصدار حزمة إصلاحات فورية تتعلق بإطلاق حرية تكوين الأحزاب وإلغاء لجنة شؤون الأحزاب ، وحرية إصدار الصحف وإلغاء حالة الطوارئ وتجميد العمل بكافة القوانين المقيدة للحريات لحين إلغائها من قبل البرلمان المنتخب ، وهي أجندة جاهزة ومعروفة من سنوات طويلة ومجمع عليها من القوى الوطنية ولا تحتاج لأي حوار . ثانيا : السيناريو الثاني أن يقوم الجيش بحل الإشكال بشكل جذري بتحمله مسؤولية قيادة الدولة المصرية لمرحلة انتقالية لمدة عام يتم خلالها إعادة هندسة الحياة السياسية والسلطة في مصر ، على أن يعلن عن تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية مستقلة تدير تلك المرحلة بما فيها الإعداد والإشراف على الانتخابات وإعادة صياغة الدستور المصري ، إضافة إلى الإعلان عن حل البرلمان وإطلاق حرية تكوين الأحزاب والصحف وتمهيد الأجواء لحراك سياسي حقيقي وجاد وعميق . [email protected]