في حديثه إلى مجلة أمريكية أكد الرئيس بشار الأسد أن الأولوية لديه هي للأمن أولاً ثم للاقتصاد وهذا كلام منطقي فلن تكون هناك استثمارات ومشاريع في سورية وبالتالي لن يكون هناك نهوض اقتصادي ما لم يتوفر الأمن. عندما نخطط لتحقيق الأمن في بلد ما يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أمرين اثنين: أولاً، أن يكون هذا الأمن قابلاً للاستمرار فليس من الذكاء تحقيق الأمن بطريقة تؤدي إلى صنع توترات وتناقضات في الدولة والمجتمع تتراكم شيئاً فشيئاً لتنفجر في نهاية المطاف مطيحة بالأمن والدولة والمجتمع معاً! ثانياً، أن لا يكون هذا الأمن على حساب كرامة الناس وحقوقهم وإنسانيتهم لأن الإنسان المقهور الخائف لا يمكنه أن يبني وطناً أو أن يدافع عنه والهدوء الذين يتحقق على حساب كرامة المواطنين يشبه الهدوء الذين نجده في المقابر وحماية المجتمع لا تتم بإعدام الحياة السياسية فيه وتحويله إلى قطيع! إن السلطة السورية ترفض الحلول الأمنية التي تريد أمريكا فرضها على المنطقة وترفض الحلول الأمنية التي تريد إسرائيل فرضها على الفلسطينيين وإعلامها الرسمي يردد دائماً أن هذه الحلول ستفشل لأنها لا تأخذ بعين الاعتبار تطلعات الشعوب وآمالها وأن الأمن والسلام يتحققان في المنطقة عندما تُعاد الحقوق إلى أهلها فأين هي حقوق الشعب السوري الذي عبر الباحث السوري الدكتور برهان غليون عن وضعه أدق التعبير عندما قال "ما ينبغي أن يشغلنا، هو توسيع خيارات السوريين وقدراتهم على التعامل الفعال مع هذا الوضع الذي ينكر عليهم الوجود السياسي، أكثر من أي شعب يخضع للاحتلال، ويحرمهم حتى من حقهم في التعبير ويصادر حرياتهم وإرادتهم الوطنية ويفرض عليهم وصاية أبوية مطلقة من دون حدود ولا ضوابط أخلاقية أو سياسية". حتى يكون الأمن قابلاً للاستمرار وحتى لا يكون على حساب كرامة المواطن ليس أمام السلطة السورية إلا طريق واحد: الخروج من عقلية القرون الوسطى وإعادة الحياة السياسية والتداول السلمي للسلطة إلى سورية والتوقف عن فرض الوصاية البعثية على المجتمع السوري وأختم بكلام آخر للدكتور برهان غليون يقول فيه: "القول إن النظام السوري لم يفقد كليا هامش المناورة لا يعني أنه سيجد طريق الخلاص. فهو في طريق مسدود تماما، وإذا نجح في كسب بعض الوقت، فإنه لن ينجح في إيجاد أي حل للمشاكل المعقدة التي وضع فيها البلاد، والتي دخل هو نفسه فيها. ولن يفيده الوقت المكتسب بالمناورة الداخلية والخارجية في التغلب على الصعوبات التي يواجهها، ولكنه سيدفع به أكثر فأكثر إلى الغرق فيها، بقدر ما سيفاقم ضياع الوقت، وما يعنيه من التنامي المستمر في الفساد والتدهور السريع في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، في ظل العجز الواضح عن الإصلاح، من أزمة المجتمع والدولة ويعمق تفسخ النظام". لا يستطيع من يملك ذرة ضمير أن يرى بلده وهي تسير إلى الهاوية ثم لا يطلق صرخات التحذير.. حتى لو كانت آخر صرخاته!