وكأنها تأبى أن تمر دون أن تسيل دماء وتزهق أرواح، معيدة إلى الأذهان ذكرى أجواء ثورة 25 يناير 2011، بعد أن سقط عشرات القتلى ومئات المصابين خلال إحياء الذكرى الثالثة للثورة، جراء اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين من مختلف الأطياف والتيارات، وقوات الأمن التي قابلت هتافاتهم المعادية بطلقات الرصاص الحي، لتتساقط الدماء على بعد خطوات من ميدان التحرير الذي شهد الشرارة الأولى للثورة, والذي تحول إلى مسرح كبير للاحتفالية التي أقامها مؤيدو الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع، في ظل أجواء آمنة لم يعكر صفوها، تلك الدماء التي سقطت على بعد أمتار من الميدان. لكن بداية تساقط الدماء كان قبل ذلك بيوم واحد عندما استيقظ المصريون صباح يوم 24 يناير على دوى انفجار هائل هز أرجاء منطقة باب الخلق، مخلفًا وراءه تدميرًا لواجهة مديرية أمن القاهرة و4 شهداء و76 مصابًا، من بينهم حالات حرجة مازالت بالعناية المركزة، لتعلن "أنصار بيت المقدس" عن مسئوليتها عن العملية التفجيرية التي بثت الرعب في نفوس الكثيرين؛ ليتحول المشهد أمام المديرية بعد ساعات إلى أشبه طوفان من البشر تتقدمهم صور الفريق السيسي، مطالبين إياه بالترشح وضرورة خوض الانتخابات الرئاسية وتخليص البلاد من الإرهاب. وما هي إلا ساعات حتى دوى انفجار آخر، لكن تلك المرة عبوة ناسفة بمحيط محطة مترو البحوث بشارع التحرير، أودت بحياة مجند وإصابة تسعة آخرين ليتحول المشهد بالشارع المصري إلى حالة من الضجر والقلق الشديدين، تبعه تفجير آخر بمحيط قسم شرطة الطالبية بالهرم، وآخر أمام سينما "رادوبيس" بشارع الهرم الذي أودى بحياة مواطن وإصابة 4، لتتجدد الانفجارات صباح يوم 25 من يناير، وبالتحديد بمنطقة عين شمس، حث انفجرت قنبلة بمحيط معهد أمناء الشرطة لم تخلف أي وفيات. كان ذلك ممهدًا ليوم لمواجهات ذكرى 25 يناير الذي تساقطت فيه الكثير من الدماء خلال اشتباكات عدة وقعت بين المتظاهرين وقوات الأمن، حيث وقع قتيلان في مسيرة حركة "أحرار" أثناء فض الأمن للمسيرة أمام نقابة الصحفيين أحدهما بمحيط منطقة البورصة وطلعت حرب بوسط القاهر، بعد حالة من الكر والفر في صفوف الثوار نتيجة لإطلاق الغاز بكثافة لمنعهم من الوصول إلى ميدان التحرير. فيما وقع قتيل آخر بمنطقة الدقي وبالتحديد أمام مسجد مصطفى محمود، بعدما تجمع المئات من حركة ثوار التي تضم حركات 6 إبريل، والاشتراكيون الثوريون، وغيرهما من الحركات لإحياء ذكرى الثورة، وانضم إليها عدد من شباب الإخوان ففاجأتهم قوات الأمن بفض المسيرة، والتي أدت إلى مقتل "سيد وزة" عضو حركة 6 إبريل والقبض على العشرات منهم. وخرجت مسيرات عدة لأنصار الرئيس المعزول محمد مرسي قابلتها قوات الأمن بطلقات الرصاص الحي، وأدى الاشتباك بين الطرفين أسفرت عن سقوط عشرات القتلى والمصابين، كان نصيب منطقة الألف مسكن منها ما لايقل عن 20 قتيلاً. وأكدت جبهة طريق الثورة "ثوار" أن ما شهدته ذكرى الثورة من عنف مفرط من قبل قوات الشرطة في كافة الميادين ضد كل من يحاول التعبير عن رأيه يعد جريمة كبرى تضاف لجرائم السلطة الحالية، وسط تأمينها لأنصارها بميدان التحرير الذي سالت فيه دماء الشهداء الحرة في أحداث الثورة المختلفة والآن يتم تلويثه بصور الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي ثارت ضده الجماهير في يناير 2011. واعتبرت أن "الحفاظ على أرواح القابضين على الجمر الآن هو مهمة ثورية بامتياز، والمعارك مع السلطة الحالية مستمرة ولن تنتهي"، مناشدة أعضاءها عدم المشاركة حفاظًا على أرواحهم، قائله في بيان لها: "انسحبوا وللثورة جولات قادمة بإذن الله". واستنكر "التحالف الوطني لدعم الشرعية"، استخدام قوات الأمن العنف المفرط تجاه الثوار في ميادين مصر المختلفة, وحمايتهم مؤيدي الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع الذين يرفعون صور الرئيس المخلوع حسني مبارك في ميدان التحرير. وقال التحالف في بيان له: "لقد تحدثت أفعالكم .. تحكي عن الصمود والتضحيات .. وبدأت موجة استرداد الثورة نعم ارتقى شهداء جدد على يد سلطة التفجيرات والإرهاب والإبادة البشرية، وسقطت مئات الإصابات، واعتقل المئات ، لكن – يشهد التاريخ – اليوم أن في مصر جيلا قاد على مدار 7 شهور ولازال ثورة مهيبة مجيدة، ستنتصر ولاشك إن شاء الله، طالما هذه العناصر الأبية الرافضة للخنوع والانسحاب أمام الباطل هي عناصرها، وطالما هذه الدماء الطاهرة الزكية هي وقودها". وتابع البيان: "حذرنا الانقلابيين آلاف المرات، من الاستمرار في إراقة الدماء ، واليوم – كما ترى- يحمون قلة ترفع صور المخلوع والسفاح في ميدان التحرير بكل وسائل الحماية، ويسفكون دماء الحشود الثائرة ويرتكبون أبشع الجرائم، فليتحمل القتلة مسئوليتهم، فالغضب أكبر من الجميع ، والقمع يشعل الثورات، وحرق مصر لن يستمر". وأضاف التحالف مخاطبًا أنصاره: "واصلوا التحدي، وأكثروا من حراك إنهاك الباطل، وحصار الانقلابيين في هذه الموجة الممتدة، وأبدعوا في تطوير الفعاليات، وأحسنوا قيادة الميادين بما يحقق مطالب الملايين، وواصلوا التقدم وفق التنسيق الميداني الأفضل، فقد انطلقت شرارة لهيب لن ينطفئ حتى القصاص واسترداد الثورة وتمكين الحق". شاهد الصور: