ربما يكون الشأن السوري بما فيه من تفاعلات وتطورات من أكثر المواضع التي تختلف حولها وجهات النظر كما تعكسها بشكل جلي الاحاديث الجانبية والمعلنة حتى بين الذين يصنفون بأنهم متقاربين فكريا والمتفقين على تأييد الثورة أصلا . ولأن ثمة تشوية مقصود للرأي العام وتأجيج بين الفصائل المقاتلة في الشمال سواء من خلال وسائل الأعلام أو من خلال جيوش الإنترنت والمتخفين وراء الشبكات الاجتماعية وفي ظل غياب دراسات كمية تعبر عن الرأي العام بإتباع أساليب علمية إلى حد ما باستثناء تلك الدراسات التي تقوم بها بعض الجهات المرتبطة بالحكومة الأمريكية والتي عادة تستخدمها ولا تنشرها ، ولذا فقد حرصت على استثمار لقاء تدريبي جمعني لعدة أيام بعاملين سوريين في منظمات وجهات متنوعة، أن استمع إليهم، وأتعرف على وجهات نظرهم حول قضايا الأزمة السورية، وخاصة أن موضوع اللقاء نفسه يتعلق بقياس الآراء، واستخدام المعلومات في الصراع، فضلا عن أن الأمثلة التطبيقية كانت في الشأن السوري أيضا. بالرغم من أن عدد الذين سألتهم لا يصل لدرجة التعبير بنسب مئوية عن الرأي السوري العام، وبما فيه من دلالات إحصائية ومتغيراتها وعلاقاتها وروابطها؛ ولكنها في ضوء تنوع الحضور وخلفياتهم، ودرجة متابعتهم الحثيثة للوضع السوري، وأماكن وطبيعة عملهم، وتعاملهم مع مختلف الجهات والفصائل هناك، فقد كان اللقاء أقرب ما يكون لجلسات العصف الذهني المركزة، والتي يمكن من خلالها استشراف توجهات عامة الشعب السوري حيال بعض قضايا الصراع والجهات الفاعلة على الساحة السورية، فضلا عن زيادة القناعة بضرورة وأهمية الاستماع لعامة الشعب السوري في قضايا تحكم مصيره ومستقبله. لدى السوريين انطباع بأن القادة العسكريين الذين يتقاتلون الآن في الميدان، هم أكثر اختلافا من عامة المقاتلين، وأن الذين في الميدان هم أقل تعصبا واتفاقا على توحيد جبهة المقاتلين، وهذا بدوره يمثل مؤشرا خطيرا، حينما نستحضر أن هذه القيادات هي التي بيدها القرار، وهي العامل المؤثر الأقوى في الساحة العسكرية. وحول معنويات عامة الشعب في المناطق المحررة، ومدى ارتفاعها وانخفاضها، فإن أغلبية بسيطة يعتقدون أنها ترتفع، والحقيقة أن معرفة مؤشر المعنويات مهم للغاية في صراع قارب أن ينهي عامه الثالث، وآثاره تمتد داخل وخارج سوريا، وهذا يستدعي الجهات الثورية أن تعتني به وبقياسه، وبكيفية توظيفه لصالح الثورة وتوحيد الصفوف. بغض النظر عن نتائج أخرى مهمة تتناول دور الإعلام في نقل الحقائق، وطبيعة الخلاف، والنظرة إلى الفصائل المقاتلة ، فقد كان الأمور من البارزة في توجهات السوريين هو الموقف العام الرافض لوجود ولممارسات تنظيم دولة الإسلام في العراق والشام ، والتي لا يذكرها الكثير منهم إلا ب (داعش)، مع التعابير الغاضبة عنهم. وقد استمعت لقصص تثير الاستغراب، مثل: قضية الاختبارات الإيمانية لعامة الناس، من خلال امتحان الناس عن أركان الإيمان على الحواجز والطرق، وغيرها . ومع إدراكي بوجود عملية شيطنة إعلامية مبرمجة و دخول اطراف استخباراتية وغربية من صالحها زراعة و تأجيج الصراع بين الأطراف المقاتلة وخاصة قبل جنيف 2 ، ومع ذلك فلا يخفى بأن طبيعة شباب (تنظيم الدولة) وتكوينها وتفكير أفرادها ورده فعلها بعدم الاستماع حتى للقادة المقربين منهم والذين هم أكثر تأثيرا من عامة الناس من السوريين وغيرهم ، وبالرغم من كل هذه المواصفات والتحديات فإن من الضرورة الاستماع إلى آراء السوريين بتنوعهم، وما في هذه الآراء من قلق وتوجس، وتمنٍّ ومطالب. وحري بقيادة الجماعات والفصائل وقادتها، والمتصدرين للشأن السوري، أن يستمعوا أكثر للناس، بل ويطلبوا منهم رأيهم مهما كان قاسيا وصريحا وحتى لو غير دقيقا ؛ فليست هذه الجماعات وقادتها أحسن من رسول الله – صلى الله عليه وسلم - الذي قال في العديد من المواقف، وخاصة في الأزمات: "أشيروا عليّ أيها الناس".