"يمكن أن يكون هذا أعقد صراع يطلب مني التعامل معه، وهذا سيؤثر في عملية استطلاعات الرأي لتحقيق السلام!" This is probably the most complex conflict I have ever had to take a look at and this will effect how a peace poll can be done. كانت هذه إجابة الصديق د. كولن أيرون (Colin Irwin)، الأستاذ في جامعة ليفربول البريطانية والخبير المتخصص منذ ما يقرب من أربعين عاما في تحقيق السلام بين الفئات والأطراف المتنازعة من خلال استطلاعات الرأي ونحن بصدد التفكير والتحضير لورشات في القريب العاجل بهدف تحقيق وئام بين فئات المعارضة السورية التي اتفقت على خلع الأسد ونظامه وقاتلت وقدمت التضحيات ولا تزال. تعامل "كولن" مع العديد من الصراعات الدولية التي استخدم فيها أداة قياس الرأي لصناعة السلام والاستقرار، مثل كشمير وإيرلندا الشمالية وسيرلانكا والبلقان وغيرها، فشل في بعضها ونجح في البعض الأخر، وقد وثّق هذه المحاولات والتجارب في كتابة (سلام الشعوب The people's peace). من هذه الخبرة التاريخية لكولن، وبعد أن مكث فترة من الدراسة والاطلاع على طبيعة الصراع في سوريا ولا يزال، تزداد خطورة توصيفه لتعقّد المشهد، وهو ما يصعّب أيضا مهمة حلم حقن دماء السوريين، سواء بأدوات مألوفة تمتلكها أيد قوى عالمية وإقليمية معروفة، أم بأداة قياس الآراء في الصراع التي أجد من الضرورة أن أوضحها هنا، بالرغم من أني كتبت حولها بالتفصيل مقالات في صراعات سابقة، وكما يوفر موقع كولن معلومات شاملة من خلال هذا الرابط www.peacepolls.org. فهذه الأداة ببساطة تهدف إلى تحليل الأزمة، وثم تحقيق الاستقرار والوئام من خلال تحويل موقف المجتمع المستطلع رأيه وقادة الرأي من تفكير منفرد حيال الأزمة الحالية إلى تفكير جمعي يشارك فيه كل المعنيين في الشأن السوري بشكل علمي منضبط، وكذا في إيجاد الحلول الواقعية والمنطقية والعلمية لتسوية الاختلاف بشكل يرضي كل الأطراف ضمن الأسس العامة التي تتفق عليها كل الفصائل، ومن أبرزها المرجعية الإسلامية. من الواضح أن تعّقد الأزمة السورية يضعف احتمال نجاح أدوات أكثر تأثيرا من هذه الأداة التي نتحدث عنها، فما زلت أتذكر مجريات ونقاشات أربع أيام متصلة قضيتها مؤخرا في تركيا مع سوريين من الداخل والخارج، تجعل المتحدث والمستمع في حيرة من فهم الواقع وتشاؤم إزاء المستقبل القادم. فالعلاقة بين الزمن وتعقّد الصراع علاقة طردية، وكثرة الأطراف الدولية الخارجية وتشابك المصالح لا يخفى على أحد والنزاع الطائفي يتعمق بشكل لم يسبق له مثيل مع ما تنقله وسائل الاتصال الحديثة والسريعة من تأجيج المشاعر والحقد الأعمى وغيرها، فضلا عن الآثار النفسية والاجتماعية، بما فيها من إيجابيات قليلة وسلبيات مؤلمة كثيرة، استدعت باحثة نفسية أن تقوم برصد بعض أشكالها في دراسة ميدانية. وأما قتال المعارضة والثوار فيما بينهم، فهو يستفحل بشكل مؤلم ومقلق وانشقاقات تنظيم القاعدة تزداد حدة، بما يحمله (هذا الاقتتال) من آثار وخيمة على المشهد ومستقبل الصراع ولأول مرة ترى هذه النقاشات والتخوين بين أفرادها الذين يتفقون على هدف يوحدهم، في حين تفرقهم الانقسامات والاجتهادات وتبادل التهم، ولكن بطعم الدم! كل هذه التعقيدات وغيرها الكثير ربما تفسر الرد المقلق من (كولن)، وهو الخبير بطبيعة الصراعات وتعبر عن هواجسه من إيجاد مخرج للوصول إلى سلام ، وهي بنفس الوقت تفتح المجال أمام احتمالات عديدة لتطور الصراع وسيناريوهات غير متوقعه لما ستصل إليه الأمور. أرجو أن يكون هذا القلق وهذه الاحتمالات المستقبلية التي تحمل في طياتها توقعات أسوأ مما يحدث الآن من مأساة تاريخية هاجسا للمخلصين من كل الأطراف لاحتوائها، ودافعا إلى التعامل معها بما يضمن وقف شلال الدم بين المقاتلين الذين هاجروا من كافة أنحاء المعمورة للدفاع عن الشام وأهلها.