أثبتت الأحداث الطائفية الأخيرة في مصر بداية من حادث الكشح إلى نجع حمادي والعمرانية والإسكندرية الأولى ثم الثانية أنه لامجال للعقلاء ولا للعلم والعلماء ولا للمفكرين في حل المشكلات الجسام التي تواجه هذا البلد المنكوب؛ لأن القيادة السياسية والنخب المتواطئة والمتورطة معها أصدرت– منذ أمد بعيد- فرمانا لارجعة فيه يعلى من قيم الجهل والفوضي، وهو يرى أن أفضل وأرخص وسيلة لعلاج المرض العضال هو تسكين الألم المبرحة ب" اللبخ " وأن فك ألغاز الكوارث بجلسات الزار. ولا يغرنكم أيها الأعزاء طنطنة الأسماء الفخيمة المسبوقة بالدال والتي تتصدر المشهد السياسي سواء كان ذلك في الحزب الحاكم أو في لجنة السياسات، فهؤلاء جميعا يجمعهم التصحر الفكري وانعدام الأمانة والمصداقية؛ وليس في مكنتهم حل أي مشكلة من التعليم للصحة إلى الفقر والجهل إلى الاحتقان الطائفي لأنهم جزء أصيل منها، ويأبى هؤلاء إلا أن يلفظ الوطن أنفاسه الأخيرة على أعتاب صلفهم وغرورهم واستبداهم. فهل يعقل يا سادة أن تدار أول دولة شهدت فجر الضمير البشري بمنطق القراصنة والهجامة وانتهاز المصائب الكبرى- التي تصيب البلاد- فرصة لتحقيق مآرب حزبية ومالية ضيقة ؟ وهل من المنطقي أن تكون معالجة مثل هذا المصاب الجلل على امتداد أسبوع كامل إثر الحادث بكثير من الفوضي والسطحية وشارك فيها إعلاميون ومثقفون وسياسيون تجاهلوا الأسباب الحقيقة لوقوع تلك الحوادث وتكرارها لنشر بذور الفتنة تحت ذرائع شتى لاسند لها من عقل أو منطق ؟ ترى كيف استمرأ بعضهم استغلال الحدث في التمويه والتعتيم وإثارة الضباب حول دور تزوير الانتخابات التشريعية وغيرها من ممارسات الحزب الوطني في وقوع تلك المصيبة ؟ ألا يعلمون أن دورة الحياة مثل دورة الإرهاب، فكما تتحول الدودة إلى يرقة واليرقة إلى فراشة، كذلك التزوير يصنع التطرف والتطرف يستدعي الإرهاب[ جلال عامر- المصري اليوم ]. ومما لاشك فيه أن ماحدث من تلاحم عفوي بين المسلمين والأقباط أطفأ نيران الغضب والثأر المشتعلة لحسن الحظ وقتيا، مما قد يصور لبعض حسنى النية أن مشاركة رجال الدين مسلمين ومسيحيين لعلاج آثار الحادث الأليم بزيارة هنا أو وليمة هناك قد تعمل على إبطال مفعول الفتنة لوقت طويل وتنزع فتيل الانفجار من يد المتربصين، ولكنه – وللأسف- تصور مؤقت زائف يزول بزوال دفء المشاعر وعودة الأعراض إلى الظهور مرة أخرى، لأن القيح مازال قابعا في أعماق الجرح. وفي هذا التوقيت الحساس ربما يتراءى للخبثاء وسماسرة الانتهازية أن الفرصة سانحة لابتزاز النظام الرخو المهتريء بتحقيق مالذ وطاب من مطالب طائفية لطرف على حساب مبدأ العدالة والمساواة في المواطنة وهو ما يضرم النار فيما تبقى من لحمة الوطن. والحل المأمون – في نظر العقلاء -يتمثل في أربعة مطالب لها استحقاقات وتفاصيل نوجزها في : إعمال سيادة القانون على الفور، وإقرار مبدأ تداول السلطة قولا وفعلا، والإصلاح الديني على الجانبين، وإلغاء التمييز بشتى صوره بالاستناد إلى المواطنة كمبدأ عام حاكم. فهل بين أقطاب الحزب من يتواضع ليقرأ ثم يعي وينفذ ؟ لا أظن؛ لأن الغرور والغطرسة مازالا سيدا الموقف في أوساط الحزب والنظام بدليل خطاب العنجهية والتخبط الذي تماسه سلطة غاشمة فقدت رشدها ومازالت تعالج علل الوطن الخبيثة بطقوس الزار وتصنيع تمائم الشعوذة والسحر، وتبحث في كيفية استثمار مصائب الوطن لتمرير التوريث ونهب خيرات الوطن وتتجاهل أن مصر تواجه معضلات كبرى لايفك شفرتها بغير الباحثين والمفكرين وقادة الرأي وأصحاب الخبرة لا أصحاب المنفعة والموالاة. وبما أننا نعلم أن الحزن منه الحقيقي ومنه المزيف، فإن ما يبعث على التوجس والريبة أنه في هذه اللحظات الحرجة والفارقة يرصد العقلاء استدعاء النظام والحزب الحاكم- على عجل- أداتين من أدوات حربه على الشعب وهما : منظومة التزوير والتلفيق، وفريق المهرجين، حيث تفرغ الفريق الأول لتلفيق التهم للأبرياء وإغلاق الأفواه والعيون قسرا، بينما يتقدم زعيم المهرجين وكبار المنافقين الفريق الثاني ليدلي بالكلمة الفصل في قضايا فكرية واجتماعية حساسة تخاطب العقول لا العجول فحولوا القضية الوطنية التي سالت فيها دماء الأبرياء حارة إلى مسرحية هابطة تبادلوا فيها نخب البكاء التمثيلي والعويل المزيف، بينما أشلاء الضحايا ودماء الطائفية تلطخ وجدان الأمة، وإرهاصات دمار الوطن تتراءى أمام الجميع على مرمى حجر. حفظ الله مصر من كل سوء ولا نامت أعين الجبناء ومثيرى الفتنة. [email protected]