تكلم الدكتور حازم الببلاوي أخيرا بلهجة واضحة وحاسمة ليبرئ ساحة الحكومة من المسؤولية عن التسريبات الهاتفية لعدد من نشطاء ورموز ثورة يناير ، وقال الببلاوي أن الحكومة بريئة من هذه التسجيلات ولم تأمر بها ولم تمارسها ، وأعلن إدانته لهذا السلوك وطالب السلطات القضائية بالتحقيق الجاد فيها وإدانة من تورط فيها ، هو موقف يشكر للدكتور الببلاوي بكل تأكيد ، وأيا كان تحفظنا على أداء حكومته في شؤون أخرى ، إلا أن موقفه هنا موقف إيجابي ومسؤول ، غير أن التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء فتحت الباب على مصراعيه على تساؤلات أكثر خطورة ، فإذا كانت الحكومة ، والمقصد هنا وزارة الداخلية بأجهزتها وأدواتها ، فهي الجهة التي تقوم عادة بمثل هذه السلوكيات ، سواء بتصريح قضائي أو بغيره أحيانا ، وهو ما أثبتته الدولة نفسها في أحكام قضائية ومواقف شهيرة من أيام السادات ، فلا يعقل أن يتصور أحد أن رئيس الوزراء يبرئ ساحة وزارة الثقافة مثلا أو وزارة شؤون البيئة ، فالمقصد هو وزارة الداخلية ، حسنا ، إذا كان رئيس الوزراء قد برأ الداخلية وأجهزتها من التورط في هذه التسجيلات أو تسريبها إلى بعض وسائل الإعلام ، فمن هي الجهة التي تملك القدرة والإمكانيات والسيطرة التي يمكن أن يكون كلام رئيس الوزراء يرمي ضمنا إليها ، وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم انتهز الفرصة وعلق على كلام رئيس الوزراء مؤكدا أن الداخلية بريئة من هذه التسجيلات مضيفا عبارة لها مغزى مهم حيث قال : الملعب مفتوح في مصر هذه الأيام ، طيب يا لعيب ، لماذا لا تكمل جميلك وتذكر لنا بعض اللاعبين الذين يلعبون في الملعب الآن ، واترك لنا أن نختار من بينهم ! ، كلام رئيس الوزراء وما أعقبه من كلام الوزير سيجعل الأصابع بداهة تذهب إلى أجهزة أمنية أخرى ، ليست وزارة الداخلية ، فهل هذا مقصود من كلام رئيس الوزراء أم أنها زلة لسان ، وإذا كانت الحكومة تبرئ ساحتها من هذه "الجريمة" التي أساءت للدولة وحولت صورتها إلى عصابة تمارس أساليب المافيا ، فلماذا لا نسمع مثل هذا النفي بصورة جلية من جهات أمنية أخرى ، تبرئ ساحتها علنا كما برأت الحكومة ساحتها وكما برأ وزير الداخلية ساحته بلسان عربي مبين ، ألا ترى هذه الجهات أن صمتها الآن سيجعلها ضمن "اللاعبين" الذين أشار إليهم وزير الداخلية ووصفهم بأنهم "يلعبون في الملعب" . النيابة العامة من المفترض أن تكون قد بدأت تحقيقا في هذا الموضوع ، ولكني أشعر أنه تحقيق متعثر بعض الشيء لأسباب لا نعلمها ، رغم أن النيابة تكون نشطة جدا هذه الأيام وتنجز تحقيقاتها خلال ساعات قليلة وتحيل إلى المحاكم بسرعة فائقة حيث يصدر الحكم بسرعة أكبر وبين ليلة وضحاها نرى رموز ثورة يناير داخل السجون ، المهم أنه بعد أن قام وكيل جهاز المخابرات السابق بإحراج النيابة علنا عبر القنوات الفضائية بأن التسجيلات كانت بإذنها ، قامت النيابة بتكذيبه ، وقالت لبعض وسائل الإعلام أن هذه التسجيلات لم تتم بإذن منها ، وأنها لم تأمر بها ، وأنها عندما تأمر بالتسجيل فيكون سريا ولا ينشر بأي وسيلة ويكون ضمن أسرار التحقيق ، وقال مصدر النيابة الذي وصف بأنه "كبير" أن هذه التسجيلات جريمة وإذاعتها جريمة أخرى وأن عقوبة الجريمتين السجن ، كلام جميل ، لكن الناس لا ترى أي حركة للتحقيقات وهناك صمت غريب ، رغم أن رئيس الحكومة نفسه طالب النيابة علنا بالتحقيق الجدي في هذه التسريبات ، ورغم أن المتهمين بالتسريبات يتحدون الجميع بأنهم "مكملين" ، وأنه لا يوجد مخلوق يستطيع أن يوقفهم عن مهمتهم "البطولية" ، وهو ما يشير إلى أن "الضهر" جامد ، وكما يقول العامة في بلادنا : اللي له ضهر ما ينضربش على بطنه ، لا في النيابة ولا في القضا ، .. والله أعلم .