هناك شعور عام بالقلق من غموض المرحلة الحالية وغموض المستقبل القريب في مصر ، وهذا الشعور يسيطر على الجميع ، أنصار مرسي وأنصار السيسي ، ويشمل هؤلاء أيضا الذين يقفون في المنطقة العازلة بين الطرفين ، لا أحد يثق في الخطوة القادمة ، والقلق أكثر في معسكر خصوم الإخوان وهو ما يفسر حالة الهستيريا في المطالب المتكررة والملحة للفريق السيسي بالترشح لرئاسة الجمهورية ، وهي هستيريا وصلت إلى حدود بالغة الغرابة في التاريخ السياسي ، هناك من هو على وشك أن يقول : أبوس إيدك اترشح ، والحقيقة أن هذا الهوس مصدره الأساس هو الخوف من المجهول والقلق من تطورات الأحداث وشعور البعض بأن الفريق السيسي ومعه المؤسسة العسكرية وأجهزتها هو الوحيد الذي يمنع خطر عودة الإخوان إلى المشهد السياسي وإلى السلطة ، في ظل هشاشة القوى السياسية الأخرى وعدم وجود البدائل المدنية التي تسد هذا الفراغ الخطير ، غير أن هذا القلق ليس على المستوى الشعبي فقط ، بل الأخطر منه أن يكون مهيمنا على القرار السياسي الرسمي نفسه ، فلا يوجد أدنى شك في أن هناك اضطرابا في قرارات السلطة تجاه المستقبل القريب للبلاد ، وهو اضطراب يشمل أطرافا كثيرة ، منها مؤسسة الرئاسة التي تعاني حتى الآن من صعوبة اتخاذ قرار واضح بشأن أخطر مراحل خارطة الطريق بعد الاستفتاء ، وهي الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ، أيهما يكون أولا ، رغم أنها أجرت لقاءات واسعة مع قطاعات عديدة في القصر الرئاسي وناقشت الأمور معهم ، والانقسام واضح فيها ، وغالبية خصوم مرسي والإخوان يجمعون على ضرورة أن تكون الانتخابات الرئاسية أولا ، رغم أن ذلك تلاعب بخارطة الطريق التي حددت البرلمانية أولا ، غير أن المعضلة هنا أن هذا الإجماع مرهون بخلفية أخرى ، وهي أن يكون المرشح للرئاسة هو الفريق السيسي نفسه ، فماذا يكون الموقف إذا قرر السيسي في النهاية احتفاظه بقيادة الجيش والاعتذار عن الترشح للرئاسة ، المؤكد أن الصورة ستختلف وهذا الإجماع على تقديم الانتخابات الرئاسية أولا سيتفتت ، كما أن الحجة الأخرى التي يطرحها أنصار جعل الانتخابات الرئاسية أولا قبل البرلمانية وهي الحفاظ على "وحدة الصف" لقوى 30 يونيو ، باعتبار أن الصراع على مقاعد البرلمان إذا عقدت الانتخابات البرلمانية أولا سيفرقها وينهي وحدتها ، فتدخل انتخابات الرئاسة منقسمة ومفتتة ومتصارعة وهو ما يؤثر على إمكانية حسم نتائج انتخابات الرئاسة ، غير أن هذه المشكلة ستفرض نفسها على الانتخابات الرئاسية إذا اعتذر السيسي عن الترشح ، لأن اعتذاره سيفتح المجال أمام آخرين يتصارعون بقوة على المنصب ، وقد أحرج حمدين صباحي جميع شركاء جبهة الإنقاذ بإصراره على الترشح حتى قبل انتظار قرار السيسي ، وهذه المتاهة تفرض نفسها على تفكير الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور ، لأن أي قرار يتخذه الآن سيكون من الصعب التراجع عنه ، فهو يرى ضغطا عليه من أجل اصدار قراره بإعلان انتخابات الرئاسة أولا عقب الاستفتاء ، ولكنه يدرك أن هذا الموقف مرتبط بترشح الفريق السيسي ، ثم هو حتى الآن يرى أن الأخير متردد ولم يحسم أمره ، وأن جهات مقربة إليه تربط بين ترشحه وبين الاستفتاء الدستوري ، نجاحه وبنسبة جيدة تشجع على خوض الانتخابات ، وبالتالي يبقى قرار رئيس الجمهورية المؤقت معلقا حتى إشعار آخر . أيضا ، فكرة إعفاء الفريق السيسي من منصبه برغبته تمهيدا لترشحه مغامرة كبرى ، لأن خروجه من منصبه يجعله مجردا من أدوات القوة التي أتاحت له كل هذا الحضور السياسي والشعبي ، ويصبح وضعه أقرب لوضع الفريق سامي عنان ، فما هي الضمانات الأكيدة والموثقة التي يحصل عليها من "المؤسسة" بكل أذرعها وأجهزتها لدعمه حتى النهاية لمنصب الرئيس ، وأن لا تأتي أي هزات سياسية مفاجئة تجعلها تتراجع عن دعمه ، وينبغي تذكر أن القابلية الشعبية ليست ضمانة أكيدة ، لأن خروج المنظومة الإعلامية والسياسية والأمنية من قضبة يدك يتيح لآخرين إعادة هندسة الصورة إذا رغبوا خلال أسبوع أو أسبوعين فقط . هي أيام صعبة بكل المقاييس على مصر وشعبها وعلى الدولة وأجهزتها ، ومحفوفة بالمخاطر ، وكل الاحتمالات مفتوحة ، ولا يستطيع أحد ولا جهة الادعاء بأنها تحمل رؤية واضحة ومحددة لخطوات المستقبل القريب ، وربنا يلطف بالبلد .