لم يكن مستغربا بالنسبة لي حينما حدثني مهندس سوري في مدينة غازي عنتاب التركية عن جهة تقوم باستطلاع آراء السوريين في الداخل والخارج حول مختلف الموضوعات المتعلقة بالصراع السوري. ولم يكن مستغربا أيضا أن تكون الجهة المنفذة لهذا المشروع تتلقى دعما من الحكومة الأمريكية لمشاريعها الثقافية والمعلوماتية المتنوعة، ولم يكن مستغربا أيضا أن تستمر عملية جمع المعلومات في الوقت ذاته الذي تقصف فيه حلب بالبراميل!
هذه الجهة هي مركز سوري يهدف لتعزيز الديمقراطية والمجتمع المدني ويعمل به ما يقارب من مائة عامل وبرواتب مجزية و له ارتباطاته بالحكومة الأمريكية -كما نقل لي ناشطون سوريين هنا في تركيا- يقوم باستطلاع آراء السوريين حول مختلف الجوانب المرتبطة بالقضية السورية مثل تصورات السوريين عن الحل السلمي والمفاوضات وتوجهاتهم نحو أطراف الصراع وأشكال النظام السياسي في المستقبل ودور الدين فيه وغيرها من المواضيع التي تستدعي مقال يتناولها بالتفصيل لاحقا.
وبغض النظر عن غايات هذا الاستطلاع الإيجابية أو السلبية، إلا أن تأثير مثل هذه النشاطات الاستطلاعية والمعلوماتية في بيئات الصراع يكمن في عدة نواحي، ففضلا عن تحقيق الأهداف المباشرة في معرفة مختلف توجهات السوريين في الصراع، تأتي أهمية تأثير هذه المعلومات في الاستخدام والتوظيف (مرحلة الانتقال من إنتاج الرقم إلى توظيفه)، حيث يتم تغيير القناعات والآراء وليس الاستجابة لرغبات الشعب السوري بالضرورة كما يبدو من ظاهر الاستطلاع المشار إليه.
وكما أن هذه الاستطلاعات بما تحمله من أفكار وأسئلة قد تصنع رأي عام -بطريقة غير مباشرة- بدلا من قياسه، فتجد مثلا محاولات تسويق شكل نظام سياسي على حساب آخر أو وضع شكل من أشكال أنظمة الحكم بطريقة تعارض الدين، و إبراز دور جهة معينة وأهميتها مثل مؤسسات المجتمع المدني.
في الممارسة الغربية ينمو النشاط المعلوماتي والبحثي في الصراعات بشكل كبير، ولذا أشار المستطلع التاريخي "روبر" إلى الطلبات العاجلة التي كان يُلح عليه بها مستشارو الرئيس روزفلت طوال أيام الحرب العالمية الثانية عن نتائج الاستطلاعات الجارية والمتواصلة لدراسة مواقف الجنود، سواء في المعركة أم في الحياة اليومية.
قناعتي بأهمية المعلومات واستطلاعات الرأي عززتها الكثير من القراءات والاطلاع على تجارب الصراعات، والتي من أبرزها الصراع العربي الإسرائيلي، ولذا كنت حريصا على تلبية طلب تنفيذ برنامج تدريبي لناشطين سوريين في كيفية قياس الآراء وجمع المعلومات والبيانات وتوظيفها في الشأن السوري.
بالرغم مما كان يمثله هذا البرنامج من التحدي الكبير، ويبدو مخالفا للأولويات لشعب يقتل ويشرد وربما نوعا من السخرية، إلا أن أكثر المشاركين في البرنامج كانوا على درجة مميزة من الوعي والجدية مما أضفى على اللقاء تفاعلا غير متوقع، أضاف الواقع الأليم الذين يعيشونه إبداعات لم تكن متخيلة في جانب التدريب والتنمية والمعلومات.
الصراع في سوريا كبير وتستخدم فيه أدوات كثيرة ومتنوعة، ومنها أداة المعلومات والدراسات الاستطلاعية التي تحتاج إلى المزيد من الاهتمام والاستخدام والعناية والحذر بنفس الوقت.