كسرًا لحالة الملل والإحباط التي أصابتني بها تغطية قناتي (الجزيرة) وال (B.B.C) لهذا النشاط الأخير الذي أُطلق عليه مجازا مصطلح (الانتخابات).. وما شابَها من تسويدٍ للبطاقات.. ومنع الناخبين والناخبات.. من الإدلاء بالأصوات.. أمسكتُ (ريموت التلفاز) مضَّجرا أتنقل بين المحطات الزائدة عن الحاجة؛ فربما وجدت شيئا غير هذه القضية الممجوجة -التي كادت تصيبني بالغثيان- فلفت انتباهي إجراء قرعة كأس العالم لعامي 2018م، 2022م. كان الجميع متحفزين لمعرفة ما سيُسفر عنه التصويت السري للفيفا الذي اتهمه البعض بعدم الشفافية- تماما كما عندنا في الانتخابات الأخيرة التي لم تخرج نتيجتُها من رَحِم الصناديق- وجلس أعضاء الوفود يضربون أخماسًا في أسداس، بينما صعد السيد (جوزيف بلاتر) رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) للمنصة نافشًا ريشه كالطاووس المختال، في الوقت الذي جلس فيه (عيسى حياتو) رئيس الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (كاف) بعينيه الحمراوين المتوقدتين دائما ليتابع المشهد عن كثب. كنتُ مشفقًا جدًا على دولة قطر الشقيقة من التجربة الصعبة، وبدأت إرهاصات (صفر المونديال) تنتابني، وما هي إلا لحظاتٌ حتى أعلن (بلاتر) عن فوز قطر بتنظيم كأس العالم 2022م؛ فتنفستُ الصعداء.. لقد أفلتت من وصمة (صفر المونديال)!! غير أن حلقي قد غصَّ بمرارة لا تُوصف؛ فقد تذكرتُ الفضيحة المدوية في 15 مايو 2004م حين حصدت مصر (الصفر) بجدارة عندما تقدمت بملف تنظيم كأس العالم 2010م، وتحسَّرتُ على الأموال الطائلة التي حُرمَ منها الجياعُ والمرضى في هذا البلد لتُنفق على الملف، وكيف كان السادة المسئولون يتحدثون بثقة بالغة عن فوز مصر المؤكد بهذا الشرف؛ لا لشيء إلا لأن لدينا حضارة عمرها سبعة آلاف عام (طبعا من المعاناة)!! وبعد شهرين من هذه الفضيحة التي يندى لها جبين كل مصري، خرجت تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات -بعد فحص المستندات- لتعلن أن ما تمَّ إنفاقه على إعداد الملف بلغ ثلاثة وأربعين مليون جنيه أسهمت في تقديمها أربعون جهة، منها 32 مليون جنيه قدمتها الجهات العامة، و11 مليون جنيه من رجال الأعمال والرعاة، وكشف التقرير عن أن طرق الصرف تصل إلى حد تهمة الاختلاس التي تستحق الإحالة إلى النيابة، والعجيب أن من بدَّدوا هذه الأموال تمت ترقية بعضهم، ودخل منهم أعضاء مجلس الشعب رغما عن أنف الشعب، وتبوءوا من الوظائف المرموقة مقعدا. ومما لا يدع مجالا للشك أن نجاح قطر في الحصول على إسناد تنظيم المونديال لها – رغمًا عن أنف الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوباما نفسه – هو نتيجة طبيعية لجهود الدبلوماسية القطرية التي تسير بخطواتٍ واثقةٍ نحو أهدافها المحددة، وهو أمرٌ يُحسبُ لها. إن الدور القطري يتضح بجلاء في إحرازه لنتائج ملموسة في كثير من القضايا العربية والإقليمية –وإن لم تُحل كُلِّيَّةً- مثل القضية الفلسطينية وما تنطوي عليه من خلافات داخلية وخارجية، والمشكلة السودانية التي تزداد تعقيدا يومًا بعد يوم، والملف العراقي الشائك، وغيرها من الملفات المهمة التي تموج بها المنطقة العربية بشكل خاص والشرق الأوسط بشكل عام. ولأن الشيء بالشيء يُذكر؛ فالحديث عن النجاحات الحية والملموسة للدبلوماسية القطرية يجعل من الواجب على النظام المصري أن يُعيد النظر في سياسته الخارجية للوقوف على الأسباب الرئيسة الكامنة وراء تراجع دور الدبلوماسية المصرية في الوقت الذي طفت على السطح بعض القوى الثانوية التي لم يكن لها وجود على الساحة السياسية حتى وقت قريب. ولأن الشارع المصري لا ينقصه الذكاء بأي حال من الأحوال؛ فإن كثيرا من أفراده يعيبون على الدبلوماسية المصرية قصورها في التعامل مع بعض الملفات مثل: أزمة حوض النيل وقلة أدب الرئيس الأثيوبي، والإهانات التي يتعرض لها المصريون العاملون في خارج مصر -بل وداخلها- والشواهد على ذلك كثيرة، فقد ضُربت جماهيرنا العتيدة من جانب بعض مشجعي الفرق العربية خارج مصر وعلى أرضها أيضا. هذا عن الدور القطري المتزايد في المنطقة.. فماذا عن الدبلوماسية التركية؟! أعتقد أن هذا يحتاج إلى مقال آخر!! فهل آن لنا أن نقف مع أنفسنا وقفة صادقة وصريحة لمصلحة هذا البلد العريق الذي ظلَّ محطَّ أنظار العالم عبر القرون والأزمان؟ أم سنكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا؟! [email protected]