بنظرة على الواقع المحلي فإن مجلس الشعب منوط به ( على الورق ) سن القوانين وتعديلها, والرقابة على الحكومة ومحاسبتها, لكنه ( فعليا ) غير ذلك, فإن الحكومة هي التي تسن القوانين ويتم تمريرها ( إجرائيا ) في مجلس الشعب بطريقة هزلية لا جد فيها, كما لا يمكن لمجلس الشعب محاسبة الحكومة أو عزل وزير.. وربما تُعقد في مجلس الشعب مئات الجلسات,وربما تُقدم عشرات الاستجوابات وطلبات الإحاطة كآليات يعمل بها المجلس, لكن النتيجة محسومة سلفا وفق خيارات الحكومة وسياساتها, ومن ثم فهو ضجيج بلا طحن , وحرث في الماء , وجهد ضائع .. وإذا تجاوزنا الدور الرئيس لأعضاء مجلس الشعب من حيث سن القوانين أو تعديلها, والرقابة على اداء الحكومة ومحاسبتها انتقالا للدور الهامشي وهو تقديم خدمات للناس ( والأصل أن تقوم بها المجالس والأجهزة المحلية ) كرصف الطرق ومد خطوط المياه والصرف الصحي وما شابه .. فإن الحكومة لن تسمح للمعارضة أن تحقق ذلك خشية استثماره كرصيد انتخابي للمعارض.. ومن هنا يتبين لنا أن النظام قد أقام ( الشكل ) دون ( المضمون), وهو ما تندر عليه الشعب المصري خفيف الظل عندما أطلق النكتة الشهيرة حول رجل دخل محل كبير يريد أن يشتري دجاجة, فدخل الطابق الأول وسأل أحد البائعين: أين مكان الدجاج؟ فقال له البائع : أتريدها حية أم مذبوحة ؟ فرد الرجل: بل مذبوحة, فأرشده البائع الى الطابق الثاني, وهنالك سأل: أين الدجاج ؟ فسألوه مرة ثانية : أتريدها مُجمّدة أم مُبرّدة , فقال بل مُبرّدة , فأرشدوه الى الطابق الثالث, فسأل عن الدجاج فسألوه: أتريدها مشوية أم دون شوي؟ فقال الرجل ( وهو يلهث ) : لا يهم ...فلتكن مشوية, فأرشدوه الى الطابق الرابع وهنالك وجد الرجل مدير المحل الكبير يتفقد الطابق الرابع فسأله أين الدجاج؟( بعد أن شكى له ما حدث معه), فأجابه المدير: عفوا لا يوجد لدينا دجاج, ولكن ما رأيك في النظام ؟ وهكذا نحن, يوجد لدينا ( مقر للبرلمان وأعضاء – مبنى وأشخاص ) بينما لا يوجد لدينا برلمان أصلا !!. صدقية الطرح: مع النفس ومع الناس عندما يطرح مرشح ما شعار: ( معاً للإصلاح ) وأحسبه صادقا, ثم استجاب الناخب له وترك سلبيته وغادر عزلته, ومد يده للمرشح ليحقق معه شعاره ( معا للإصلاح ) عبر انتخابه كعضو في مجلس الشعب, لكن الحقيقة غير ذلك, إذ أن عضوية مجلس الشعب ( بكل معطياتها الواقعية لا الورقية ) هي( يقينا) ليست طريقا للتغيير أو الاصلاح .. وأحسب أن ذلك يمس ( بدرجة ما ) صدقية أي شعار يطرحه أي مرشح, حتى ولو كان مرشح الحكومة, لأنه في الحقيقة لا يملك من أمره شيئا إن أشار إليه أحمد عز برفع يده للموافقة على قرار أو قانون ما حتى ولو كانت قناعاته تميل الى عدم الموافقة, وهذا في حالة إن كانت لهذا العضو قناعات أصلا !!. التنافس على مقاعد المعارضة يتعارض مع أي شعار شاهدنا حلقة تليفزيزنية بثتها قناة "الجزيرة مباشر" لندوة جمعت ممثلين عن حزب التجمع والوفد والناصري وممثلين عن جماعة الإخوان المسلمين حول الانتخابات النيابية, وجميعهم يرون فساد الحكم الحالي واستبداده, وجميعهم( ربما ) لديهم رغبة صادقة في اصلاح الواقع الحالي وتغييره, لكن العجيب أن النقاش في الحلقة تركز على مهاجمة ممثلي الأحزاب الثلاثة لجماعة الإخوان ومنهجها وخياراتها وحركتها, وكأن الجماعة هي التي تحكم, وكأن الفساد الحالي والاستبداد من صنع أيديها, وكأن المطلوب ازاحتها والتخلص منها وفضح علانيتها وسرائرها, والأعجب أن الحزب الوطني قد نجا تماما من سهام الحضور, وتحولت السهام "في ذهول عجيب" صوب الإخوان!! وهنا نتيقن أن القوى الوطنية في مصر ( بخلاف الحزب الحاكم) لا تسعى للحكم, ومن ثم فإن أي طرح حول الاصلاح والتغيير لا معنى له البتة, فعندما طرح أوباما نفسه على الناخب الأمريكي تحت شعار (التغيير الذي نؤمن به) كان يطرح نفسه للحكم لتطبيق شعاره, بينما نرى القوى الوطنية المصرية جميعها ( من خلال أعداد ناخبيها ) خارج التنافس على الحكم, وهنا يبرز تساؤل هام : كيف يمكن تحقيق الشعار ( أي شعار) ؟ ولذلك كان مفهوما هذا التلاسن البشع من أحزاب معارضة ضد الإخوان دون الحزب الوطني لأن تنافس المعارضين جميعهم كان على المساحة التي شغلتها الجماعة في مجلس 2005 م , وليس على المساحة الشاسعة التي يحتلها الحزب الحاكم !!! طريق مسدود !! لم تطرح أي قوة وطنية على أرض مصر سبيلا ثوريا للاصلاح والتغيير, واحسب أن التزامهم بذلك هو التزام صحيح, كما أن التغيير السلمي عبر آليات سلمية قانونية هو طريق مسدود أيضا, والأمر المضحك المبكي هنا أن النظام وسدنته وإعلامه وأغلب الأحزاب المتحالفة مع الحكومة يروجون ليل نهار أن الإسلاميين(فرضاً) إذا وصلوا للحكم عبر الانتخابات الديمقراطية فهذا يعني أخر عهد الناس بالديمقراطية, وأن السلم الذي سيصعدون عليه سيركلونه بأقدامهم فور تمام صعودهم عليه, وهذا زعم وادعاء مرسل يفتقد الدليل, لكن "اليقين" هو أن النظام الحالي قد ورث الحكم جيلا إثر جيل وراثة من حركة يوليو 1952 م, والتي وصفتها إذاعة لندن حينذاك أن تنظيم سري( وأظنه كان محظورا) قام في مصر بانقلاب عسكري (على شرعية الدولة المدنية القائمة ), ومنذ ذلك الوقت لم يحدث أي تداول ديمقراطي على السلطة منذ 58 سنة ولا يلوح ذلك في الأفق القريب, إذ لم يركل النظام الحالي السلم فقط, ولكنه قام بتكسيره, ليقطع الطريق أمام أي أمل في امكانية إعادة نصب السُلّم ( السلمي ) على جدار الديمقراطية للصعود عليه تارة أخري !!! وما العمل إذن؟ الأمر الأول :إن النظام المصري بحاجة الى إبقائه وحيدا فريدا منعزلا, ولا ينبغي لأي مخلص مشاركة النظام في أي آلية من آلياته السياسية حتى يتم تصحيح قواعد اللعبة, لأن النظام كان شديد الحرص على مشاركة كل القوي السياسية ( لإكمال الشكل ), فعندما أعلن نائب الإخوان المهندس/ محمود عامر, ظهر يوم الانتخابات انسحابه من العملية الانتخابية في احدى دوائر 6 أكتوبر, سارع إليه أحد الضباط لإقناعه بالعدول عن قراره, وعرض عليه إدخال مندوبيه لجان الاقتراع!! لكنه ( بحس سليم ) أدرك أن المعركة كانت بين ( احترام وتزوير) ولم يتبق أي جدوى من الاستمرار.. لذلك أحسب أن تجمعا معتبرا من غالبية المعارضين( وليس جميعهم لاستحالة هذا ) يعمل ويواصل الضغط "السلمي" لتصحيح قواعد الممارسة السياسية الى أن يتم الاستجابة لها, وأحسب أن خطوة التوقيع على مطالب الاصلاح السبعة كانت خطوة أولية على الطريق أجهضتها المشاركة في الانتخابات.. الأمر الثاني : هو اقتراح للمعارضين عموما والإسلاميين خصوصا الذين يأملون بصدق في تغيير الواقع الحالي نحو الأفضل, أن تتركز جهودهم لصالح الناس مباشرة, وأحسب أن المشروع الإسلامي هو مشروع شامل للإصلاح وتعتبر السياسة أحد جوانبه, وأظن أن المشروع الشامل يعني أنه إذا تعطلت ( لسبب ما ) أحد أركانه, يتبقى لهم أركان أخري يقيمون بها الدين رفعا للحرج عن أنفسهم وتقربا بها لخالقهم.. لقد رأيت في الشعارات الانتخابية لحزب التجمع مثلا : الخبز للفقراء, وتصورت أن قيمة دعاياتهم الانتخابية قد تحولت الى خبز للفقراء, فأكلوه وشكروا لهم, إذ أن مشاركتهم في مجلس الشعب لن تحقق يقينا إلا ما تختاره الحكومة.. وهذا ما دفع البدري فرغلي ( نائب التجمع) الى الاستقالة من الحزب, مصرحا أن حزب التجمع قد أصبح فرعا للحزب الوطني!! أما عصام شيحة ( حزب الوفد ) الذي صرح في لقاء تليفزيوني أن الحزب قد أعد ميزانية للدعاية حوالي 12 مليون جنيه, هذا عدا الملايين التي أنفقها مرشحو الوفد على دعاياتهم الانتخابية في دوائرهم, وكلها قد ذهبت سُدى, كما أن شعار الوفد (يا بلدنا آن الأوان ) قد تناثر مع الرياح ..وللأسف يبدو أن الأوان المقصود هو أوان خلافة الإخوان على مقاعد المعارضة, لكن أوان تغيير النظام لم يطلبه ولم يسع إليه أحد !! وإذ أتصور لو أن 150 مرشحا معارضا من فصيل ما, وقد أنفق كل مرشح منهم مبلغا يقترب من أربعمائة ألف جنيها( بحد أدنى ), وبحسبة بسيطة يعني أن مجموع ما تم أنفاقه من هذا الفصيل حوالي 60 مليون جنيه, وتصورت أن قراءة الواقع لراغبي الإصلاح توضح أن تأخر سن الزواج يساهم في مزيد من المشكلات الاجتماعية والاخلاقية في المجتمع, وإذ تصورنا أن زواجا بسيطا قد يتكلف حوالي 20 الف جنيه في شقة خاضعة لقانون الايجارات الجديد, فهذا يعني زواج 3000 شاب, و3000 فتاة, وأسعاد 6000 أسرة ( اب وأم واخوة ) ومن حولهم من أقاربهم بما يعني ادخال الفرحة على عشرين ألف مواطن ومواطنة بما يشكل نواة طيبة في المشروع الإسلامي الذي يهدف الى بناء الفرد الملتزم فالبيت الملتزم وصولا الى المجتمع الملتزم, وبنظرة واقعية يتضح لنا أن هذا التصرف لخدمة المشروع الإسلامي, وخدمة أهدافه, كما أنه خدمة للمجتمع باعفاف كل هذا العدد من الشباب والفتيات, ولعله يكون أرضى لله, ولعله يكون هو ما في الوسع, لعله يحقق من الله توفيقا وسدادا ورشادا وفتحا لبقية أركان المشروع الإسلامي.. إن النبي صلى الله عليه وسلم قد آخى بين المهاجرين والأنصار قبل أي أمر أخر في الإسلام, قبل الجهاد والصوم والحج, وكانت كفالة القادرين الأنصار للمحتاجين من المهاجرين بمثابة النواة الصلبة لإقامة المجتمع المسلم الذي أنطلق بعد ذلك متقدما في مشروعه من هذه الأرضية العظيمة.. وعلى أصحاب المشروع الإسلامي بذل الجهد المباشر لتفعيل الجوانب الدعوية والخيرية والاجتماعية والتربوية, دون إهمال العمل السياسي أو الحزبي الذي يتطلب أولا تمايزا عن العمل الدعوي وإعدادا صحيحا واقعيا مرنا يؤهل للقيام بالدور المأمول به, والذي يبدأ بالضغط اللازم لتصحيح الممارسة السياسية في المجتمع وفق قواعد وممارسات صحيحة, حينئذ يكون المجتمع بقواه المختلفة هو أكبر داعم للمشروع لا خِصما له .. [email protected]